الأحد، 26 أكتوبر 2008

الأطفال..آخر وسيلة احتجاج لعمال الخطوط الجوية في موريتانيا


أحمد ولد إسلم من نواكشوط: ببراءة طفل في السادسة من عمره كان سيد المختار يجول بعينينه في جموع الصحافيين، يشد يديه بحزم على مجسم لآخر طائرة تملكها الخطوط الجوية الموريتانية، بدا غير مستوعب لما يدور حوله، وحين اقتربنا منه، حدثنا على استحياء عن مشاعر مختلطة بلغة سلهة ومعقدة، فهو لا يعرف ما يريد هنا، وكل ما يدركه هو أن أباه كان يعمل طيارا في شركة الخطوط الجوية الموريتانية، ومنذ فترة لم يعد يذهب إلى العمل.
لا يعرف سيد المختار المدة التي قضاها أبوه دون عمل، لكنه يعرف أنه في السنة الماضية كان يدرس في"le petit centre" وهي مدرسة فرنسية تشرف عليها السفارة الفرنسية في نواكشوط، ويدرس فيها عادة أطفال الطبقة الغنية في موريتانيا نظرا لتكاليفها الباهظة، لكنه هذه السنة لم يذهب إليها، رغم مرور أسابيع على افتتاح المركز، وهو لا يعرف السر وراء ذلك.
سيد المختار لم يكن وحده فهناك العديد من أترابه ومن يكبرهم بقليل من أطفال عمال وموظفي شركة الخطوط الموريتانية، جاؤوا يوم الأحد2008-10-12 إلى مباني ما كان ذات يوم مقرا لهم، ونظموا وقفة احتجاجية طالبوا فيها رئيس المجلس الأعلى للدولة الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالتدخل العاجل لوقف معاناة الأطفال والنساء، الذين يعيشون شهرهم الثامن دون رواتب"

فكرة استجلاب الأطفال إلى مقر الشركة المعروضة للتصفية كانت آخر الأفكار التي لجأ إليها نحو 400 من عمال الشركة، بعدما استنفدوا كل وسائل الاجتجاج على قرار اتخذته السلطات الموريتانية في عهد الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله يقضي بتصفية الشركة، وتعويض عمالها وفق ما يقرره مأمور التصفية، وهو القرار الذي كان بداية لعشرات التظاهرات الاحتجاجية تراوحت بين الاعتصامات والبيانات والمؤتمرات الصحافية.
فاطمة بنت الكيحل سيدة في الأربعين زوجة الطيار محمد الأمين ولد الطيب، بدت متذمرة وهي تشرح لإيلاف كيف أن قرار التصفية أرغم زوجها على مغادرة موريتانيا بحثا عن عمل بديل، تاركا لها الأسرة وتبعاتها، وهو ما طالبت المجلس العسكري الحاكم بوضع حد له إن كان حقا يهدف إلى الإصلاح مؤكدة دعمها له في ذلك، ودعم أسر عمال وموظفي الشركة.
جذور الأزمة..
شركة الخطوط الجوية الموريتانية إحدى أهم الشركات ذات البعد السيادي في موريتانيا، تأسست مع إعلان استقلال الدولة عام 1960، بملكية عمومية، ومع بداية الانفتاح الاقتصادي في التسعينات أعلنت الحكومة الموريتانية في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع فتح رأس مال الشركة، لتصبح ملكيتها مختلطة بين الخطوط الجوية الإفريقية وبعض رجال الأعمال الموريتانيين، وبقي للدولة الموريتانية نصيبا لا يتجاوز الأربعين في المائة، ومع مرور السنوات تناقصت تلك النسبة.
وتفجرت الأزمة المالية للشركة بشكل مباشر مطلع سبتمر 2007 حين احتجزت الطائرات الثلاث التي تملكها الشركة في مطار فرنسي ،بينها الطائرة الرئاسية التي أهدتها دولة قطر للرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، وهي من طراز بوينغ (200-727 ) وذلك بسبب عدم تسديد الديون لصالح شركة أميركية بمبلغ 700 مليون أوقية موريتانية؛ أي ما يقابل 2.5 مليون دولار فقط.

وأقر وزير النقل الموريتاني حينها أحمد ولد محمدن، بأن شركة الخطوط الجوية الموريتانية تعرف حالة إفلاس كامل بسبب ما وصفه بتراكم الخسائر وسوء التسيير خلال العقدين الماضيين وأن أزمة هذه الشركة قد تفاقمت بشكل لا يمكن تداركه.
وشدد على أن الخطوط الجوية الموريتانية شركة ذات أسهم مختلطة وليست عمومية مشيرا إلى أن سبب إفلاسها يعود لانهيار شركة الخطوط الجوية الإفريقية التي كانت المساهم الرئيسي فيها إبان خصخصتها سنة 2000.
وقرر مجلس إدارة الشركة بداية أكتوبر 2007 إحالة موظفي الشركة الـ400 على البطالة الفنية، في انتظار صرف تعويضات لهم،على أن يحدد مأمور تصفية الشركة قيمة التعويضات التي سيتم دفعها لهؤلاء الموظفين، واختير لهذه المهمة السيد محمد ولد عبدي ولد حرمة بعد أيام من إقالته من منصب المفتش العام للدولة.ولا يزال فريق التصفية يقوم بعمله دون الإعلان النهائي عن نتيجة، وهو ما يضاعف هموم العمال الذين تتضاءل آمالهم في التعويض المجزي كلما تقدمت الأيام.

إيلاف

الجمعة، 24 أكتوبر 2008

على هامش حديث مقتضب

أحمد ولد إسلم
عدت إلى غرفتي ، كانت كلماتك لا تزال ترن في إذني ، همسك الناعم كنسيم هب سحرا ، يربكني ، يغير تعرجات خارطة ذاكرتي ، أحاول تصور شكل معين لك ، لون لك خارج ألوان قوس قزح ، أجهد نفسي ، أستعيد كل الوجوه التي رأيتها يوما ، كل الوجوه المشرقة بالجمال الناصع ، أتأمل كل وجه منفردا ، استخلص من كل واحد أحسن ما فيه ، لجعله منك ، ترتبك تفاصيل الخطوط ، أنظر إلى اللوحات الجميلة التي تزين غرفتي ، وأتنهد .....
آه ..لو كنت رساما ... لرسمتك على لوحة ناصعة البياض ، بخطوط رفيعة،... لرسمت وجهك في شكل ثلاثي الأبعاد ، لأنظر إليك من كل زاوية ، لأكتشفك في كل نقطة لون..
آه ...لو كنت شاعرا ...لكتبتك قصيدة عصماء، فوق رق منشور ، أعلقه في زاوية حصينة من ذاكرتي ، لاخترت لك عنوانا من لغة جديدة ، لم يتوصل إليها العلم بعد ، لغة لا تنطق...
لكن لست رساما... ، لست شاعرا .....
أعود إلى الحديث، أجلس على حافة الصمت ، أتأمل كلماته ، أعيد ترتيب حروفه...لأستخرج جملا جديدة لأضمنها متن قصتي التي لم تنشر ، كقصيدة لشاعر أعرفه ، تذكرت منها مقطعا يقول: من خلف شاشتك الصغيرة تكتبين ....ونسيت البقية ....
أتفصح من جديد ملامح الحرف لأستنسخك منه ، تتداخل الحروف ، تتشعب الجمل ، وتتمازج اللغات، لغة الصدق ، ولغة الجرأة ، ولغة الخيال....
لا دليل عندي يثبت أنك أنت من كانت تحدثني ، وحده الإحساس ، وحده الحدس الثاقب ، يؤكد ذلك ، ولكن من أنت ؟ من أي فج عميق في تضاريس الحب المتشعبة دخلت ؟ من منحك تأشيرة الدخول ؟ وما رقم جوازك ؟
تتكسر الأسئلة على شاشتي ، وتتماوج في دوائر مسترسلة كأثر نقرة طائر صدي، خطف رشفة من غدير ،وحلق بعيدا... ، ويكبر السؤال كلما أوغلت في دهاليز الحيرة ...
وأعود إلى هامش الحديث المقتضب أتأمله من جديد في محاولة سيزيفية للنجاح ...
لماذا أتيت في هذا الوقت بالذات من السنة؟ ، لماذا اخترت اليوم بالذات ؟ أعود إلى متن الحديث ؟ نسيت أن أطرح عليك هذا السؤال ....ولكن هل حقا كنت مدركا ما أقول لك؟ هل كنت في كامل وعيي وأنا أسابق الحروف لأخترق الشاشة إليك...
آه ..لو تطور العلم ، لو استطعت أن أتحول إلى ملف صغير مرفق في رسالة إليك ، تفتحينها مع ابتسامات الورود الصباحية ، تستمعين إليها مع برنامج صباح الخير يا وطني ....
لو كنت خوارزمية مركبة في أحد الملفات التي ترسل بالبريد الألكتروني ، حينها كنت سأكون حصان طروادة ، أتسلل عبر بريدك ،أغريك بفتح الرسالة ...لأجد نفسي معك على حاسوب واحد ، معك على طاولة واحدة .....
لكن العلم لم يتطور بعد...
رسمت نفسي توقيعا ختاميا للحديث ، وجلست على هامشه ..أبحث عن سؤال لجواب لا أعرف كنهه....وأغلقت الجهاز...

إنتظار..مع كأس عصير

أحمد ولد إسلم

وحيدا مع كأس العصير جسلت، نظرت الأفق السحيق ،أبحث عن إشارة تدلني على مسار سالك إليك ، على لغة تكون أكثر قدرة على استيعاب ما أريد قوله لك، أعدت النظر كرتين ، أتأمل أغوار التاريخ الحديث ، أحاول سبر تفاصيله ، تتداخل الأجزاء ، تتشابه المكونات ، أنظر كأس العصير ، أرتشف قليلا ...ثم أتنهد ..
تسّاقط أرواق شجرة الصفصاف التي أجلس تحت ظلها الوارف ، كأوراق ذكريات قديمة لعاشق بائس ، ...ليس في أرضك صفصاف ،لم نلتق يوما تحت صفصافة، لكن كان ظل الشجر يوحي إلي بشيء عنك ، شيء يتعلق بك ، هناك علاقة ما بينك وبين ظل الشجر ، إنه يغادر بسرعة مثلك ، وكثيرا ما لايستمتع به إلا النائي أكثر ...
أحاول تناول القلم، أدير ظهري للإحباط ، أستنشق القليل من الأمل ، أنظر عقارب ساعتي وهي تركض إلى المجهول ، تجر ورائها عنوة عمري، فينقاد لها استسلاما...
ارتشف القليل من العصير، وأنتظر....
للعصير لون وردي كوجنتيك حين يغلب عليك الحياء، كان مزيجا من الموز والتفاح والفرولة ، تداخلت عناصره وانصهرت ، كما تنصهر أرواح العاشقين ...
ألتفت يمنة ، وكأني أحس بك ، أسمع قرع نعلك الواطئ الكعب ، وطرف ثوبك السفلي يقوم بوظيفة البلدية التي استقالت منها منذ زمن ، وكأنني متأكد من أنك ستجلسين قبالتي ، على هذا الكرسي المنسوج بإتقان من سعف النخل، في ساحة الثورة ،... نظرت إليه تخيلتك هنا وأنت ترتشفين كاس عصير ، تتأملين تقاسيم وجه أضناه حبك ، عيناه غائرتان من طول التأمل فيك...
وأنا أحمل في يدي قلم رصاص أحاول أن أرسم على صفحات أملي الضئيل ملامح حلم عشت له ، عشت به ...مستغرقا في تفكيري ، شاردا أتأمل صمتك الناطق ، ينبهني متسول في ساحة الثورة ، أجهده الزمن، يتكلم لغة ليست لغتك ، فأدرك أنك لم تحضري....
انظر ساعتي ، أحسها تزداد تسارعا ، أرتشف القليل من العصير ، وأنظر يسرة...
أراك في كل الوجوه ، في الحمائم التي تحط بين أرجل المارة ، في تداخل ألوان شرائط تزيين الشوارع لاستقبال الرئيس...احسك في كسوف الزهرة وهي تودع الشمس منحنية كبوذية متدينة...
ولكن لماذا أتوقع حضورك؟!! أنت لم تجلسي معي يوما في مقهى، لايوجد هناك ساحة عامة نلتقي فيها ...فلما أنتظر هنا...
يرن الهاتف في جيبي ، توقعت أن تكوني أنت ، فتحت الخط دون أن أعرف هوية المتصل ، صوت امرأة مهذبة : سمير....سمير أنا أنتظرك...
عفوا سيدتي الرقم خاطئ هذا ليس سميرا...
معذرة... أنا آسفة
لا مشكلة ...وتلاشى الصوت...
ما ذا لو كنت أنت ،ما ذا لو كنت على علم أني أنتظرك في أجمل ساحة في عنابة، ما يضيرك لو أرسلت رسالة هافية قصيرة ، من كلمتين فقط ؛أنتظرني هناك...أنا قادمة...
أرتشف من كأس العصير ، أنظر ساعتي ، مرت ساعة وأنا هنا ، مرت ساعة وأنا أنتظرك ، أتساءل أين أنت الآن ؟؟...تراك تقلبين صفحات ذكريات ، ممزق بعضها ، والبعض تلاشت أحرفه لطول العهد ...أم أنك لم تحتفظي يوما بورقة ، أعرفك...كنت تكرهين الذكريات ...تعيشين اليوم في يومه ....
ويسحب النادل الكأس ، يمسح الطاولة بلطف، يقول: هنيئا ، ينظر إلي بشفقة وكأنه يواسيني ، لأن من أنتظرته لم يأت ....
وبقيت وحدي أنتظر أمام كرسيك الشاغر ، كان معي كأسي لكن النادل أخذه
...