الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

ثقافة الاحتجاج


أحمد ولد إسلم

Ahmed3112@hotmail.com

قبل كل حملة انتخابية ينتدب النظام الموريتاني عددا من وزرائه للقيام بجولات في الولايات الداخلية، ولزيارة المناطق الأشد فقرا، والأكثر حرمانا، ويتخذ لذلك ذريعة؛ تارة بتدشين مشاريع وهمية، وتارة بحجة قضاء الأطر عطلاتهم في مواطنهم الأصلية، ولكن الهدف الأكبر والحقيقي من تلك الزيارات هو إطماع المحرومين بنيل حقوقهم التي تقدم لهم قطرات منها قبل الحملة، ويوعدون بالبقية بعد نحاج مرشحي النظام، وتكلف تلك الزيارات خزينة الدولة أضعاف ما تنفقه على تلك المشاريع.

بدأت تلك العادة السيئة أيام ولد الطائع، وما زال النظام القائم – وهو ذاته لم يتغير- ينتهجها، مستغلا جهل عامة الناس بحقوقهم المدنية والسياسية، وحقوق الانسان التي يكفلها القانون الدولي، وينظمها العقد الاجتماعي الموقع بالتراضي بين المواطنين ومن انتدبوا للقيام بالمسؤوليات التي توكل إليهم من خلال الدستور الذي نص على سيادة الشعب.

وسيادة الشعب هذه التي دبج بها الدستور ليست كلمة جوفاء، بل هي حقيقة قائمة، والوعي بها كفيل بإنهاء التلاعب بالحقوق، والمال العام، والمكتسبات الديمقراطية.

فكل من يتقاضى راتبا من خزينة الدولة الموريتانية ليس إلا خادما لدى هذا الشعب يقوم بما كلف به، وللشعب الحق في الاحتجاج على سوء أدائه والمطالبة بمحاسبته، بدء برئيس الجمهورية، وحتى بواب مقاطعة انبيك لحواش في الحوض الشرقي المنسي.

لكن هذا الوعي يحتاج تنمية، تبدأ من المدارس الابتدائية، ولا تتوقف أبدا.

فحين يعلم الطفل في مدرسته، أن أموال الدولة الموريتانية لا تعدو أن تكون حصلت عليها الخزينة العامة، من بيع ثروات طبيعية تكتنزها الأرض برا وبحرا، أو ضرائب تجبى من المواطنين سواء بشكل مباشر من خلال رواتب الموظفين، أو بشكل غير مباشر من خلال الضرائب على السلع والخدمات، أو تكون تلك الأموال حصلت عليها الدولة من خلال قروض وهبات من دول وهيئات أخرى، منحت للشعب الموريتاني، ولم تمنح لمن وقع الاتفاقية، ولا لمن يتولى السلطة.

حين يدرس الطفل ذلك في مدرسته، سيدرك أن له الحق في الاحتجاج على المعلم إذا تأخر عن وقته، وعلى إدارة المدرسة إذا لم توفر له فصلا دراسيا مجهزا، وحمامات صحية، وعلى الشرطي إذا لم يبرز له بطاقته، أو لم يعط أباه وصلا لمخالفة المرور.

وسيدرك أنه ليس ملزما قانونيا بترديد نشيد مرحب بالرئيس حين يزور مدينته، وليس مطالبا بتخليد ذكرى وصول الرئيس بانقلاب عسكري إلى السلطة، ولا أحد يستيطع أن يجبر جاره على حضور لقاء الشعب، بل لا يحق للتلفزة الموريتانية أن تبث اللقاء من دون إذنه.

ومن أراد ديمقراطية حقيقية عليه أن يدرك أنها تبدأ من معرفة الشعب لحقوقه؛ وأولها حق الاحتاج إن لم ينل حقه.

إن ثقافة الاحتاج تبدأ بطفل، وقد ينجح الاحتجاج في استرداد حق فرد، لكنه حين يصير ممارسة يومية لدى العامة ستشب الديمقراطية الحقيقية عن طوق العسكر والقبيلة.

ولا يعني الاحتجاج هنا الخروج في مظاهرات، أو الاعتداء على ممتلكات عامة، بل تصرفات فردية ترفض الظلم.

جربت ذلك عدة مرات ونجح الأمر، كان آخرها حين تسببت سيارة للشرطة بحادث مريع كدت أفقد فيه حياتي.

حدثني الضابط بفرنسية طليقة، فأجبته بلغة انجليزية على كل أسئلته، ابدى امتعاضه من حديثي بالانجليزية قائلا: نحن في موريتانيا ولا نتحدث الانجليزية.

قلت: ما دمنا في موريتانيا وفي إدارة رسمية فيجب أن تتحدث معي بالعربية، وإن لم تكن تحسنها فليتحدث كل منا اللغة التي يريد، ولتبحث عن مترجم، ثم إني لن أوقع على وثيقة رسمية مكتوبة بالفرنسية.. ولم أوقع حتى الآن ذلك المحضر.

تخيلوا لو رفض المعلمون التدريس في فصل بلا طاولات كافية، ورفض الأمين العام الرد على رسالة من الوزير باللغة الفرنسية، ورفض السائق دفع الغرامة من دون وصل، ورفض سكان قرية استقبال وزير في الحملة الانتخابية، ورفض الأطباء العمل في مستشفى بلا معدات طبية، ورفض أستاذ في الجامعة تدريس مادة حتى يطور منهجها، ورفض المواطنون المشاركة في مهرجان للحزب الحاكم، أو استقبال رئيس الجمهورية في زيارته للولايات الداخلية!

أو تخيلوا لو رفضت وزارة المالية دفع رواتب عشرة وزراء تركوا وظائفهم التي أسند الشعب إليهم، وذهبوا لإدارة حملة الحزب الحاكم في الولايات الداخلية..!

هذه الأخيرة لا تتخيلوها أرجوكم..

لأن وزير المالية ذاته يدير الحملة في كيدماغا حسب وكالة الأخبار. إنفو

السبت، 2 نوفمبر 2013

الحوض الشرقي ينتخب معارضا..!

أحمد ولد إسلم


ahmed3112@hotmail.com

هل تريد أن تفضحنا؟!  منذ أن بدأ التصويت في هذا البلد لم يسجل التاريخ أن قريتنا خرجت منها بطاقة لصالح المعارضة، ولن تأتي أنت أيها الصبي الغر لتهز ثقة الدولة فينا"
هذه ترجمة حرفية لكلمات وأد بها أحد وجهاء قبائل الحوض الشرقي في قرية معزولة، طموح شاب للتغيير، ولم يكن الشاب حينها منتميا لحزب سياسي معارض بالمناسبة.
فقد كان ذلك في انتخابات 2001 ولم يكن في البلدية الريفية إلا لائحة واحدة للحزب الجمهوري الديمقراطية الاجتماعي، الذي ورثه حزب عادل وورث الاثنين معا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وورثوا معه البلديات أيضا.
كان الشاب يحاول إقناع بعض أقرانه بالتصويت للائحة نيابية لحزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة الذي كان حينها من أحزاب الأغلبية ثم انصهر في عادل وبعث الله فيه الروح بعد الانقلاب.
الكلمات ذاتها ما زالت تتردد في الوسط الشعبي والقبلي في مختلف المناطق الموريتانية، ولكن صداها في الحوض الشرقي أقوى، والآذان الواعية لها هناك أكثر، ورعاة استخدام الخزان القبلي الانتخابي نقضوا كل عهودهم إلا عهدا واحدا، وهو استخدام شيوخ القبائل لضمان التصويت، ووعدهم أن لا يكون في دوائر صنع القرار إلا من يرضيهم ولاؤه.
بدأت اللعبة بالتزوير، كان شيوخ القبائل يزورون الانتخابات لصالح مرشحيهم الذين اختاروهم في أول انتخابات نيابية نهاية الثمانينيات، وردا للجميل كان النظام الطائعي يعين من ترتضيه تلك القبائل في مواقع السلطة والنفوذ، مطلقا لهم اليد في النهب والإفساد، ضامنا بذلك سكوتهم على فساد بطانته.
ثم تكررت العملية حتى وصلت إلى ما يشبه العرف، ففي كل مقاطعة هناك قبائل تتقاسم مقاعد البرلمان بغرفتيه، وهي دولة بينها، لا يستظل بقبته غيرها.
وحين سقط العقيد انفرط عقد الحزب الناظم للقبائل، ولأن الأمر لم يكن سوى تغييب للرأس والنظام ما زال قائما، رشحت القبائل وجوهها المغبرة مستقلة بإيعاز من النظام، ففازت في الانتخابات، ثم التفت حول حزب الدولة الجديد، وغادرته حين تملص النظام من الرئيس المدني المنتخب، وشكلت الحزب القائم الآن، وها هي تتسرب منه بإيعاز من النظام لتتوزع على أحزابه.
في كل ولايات موريتانيا تقريبا سجل التاريخ ولو مرة واحدة أن نائبا وصل إلى البرلمان من خارج عباءة النظام إلا ولاية الحوض الشرقي.
وهو ما جعل تلك الولاية التي تتمتع بأكبر كتلة انتخابية تزيد على خمس من يحق لهم التصويت، وبها أكبر عدد من النواب (باتوا الآن 13 نائبا) تحافظ دائما على الوفاء للنظام القائم أيا يكن، ويحافظ النظام القائم لها أيضا على واجهة الحكومة، فتمثل منذ التسعينيات برئاسة الوزراء.
ومن ينظر إلى الأمور بسطحية يرى ذلك إنجازا من النظام يقدمه لتلك الولاية، وحقيقة الأمر أن من تولوا صدارة الوزارة كان نفعهم للناس قبل توليها أكثر مما بعده.
ولا يعلمون أن الإنجاز الأكبر للولاية بل لموريتانيا عموما هو تحريرها من ربقة القبلية المستحكمة في رقاب الناس وأصواتهم، تسوقهم سوقا إلى تأييد أعمى يبلغ أوجه قبل الانتخابات، نظرا لتلك الوعود المعسولة التي يوعد بها سادتهم وكبراؤهم، ثم ما يلبثون أن يجدوا السراب، حين ينجلي غبار الحملة الانتخابية.
إن أكبر منة يمكن أن تحسب للنظام القائم - إن كان حقا مخلصا في اهتمامه بالولاية التي أقال ثلاثة من وزرائها بعد زيارة رئيسه الذي اعترف بتهميشهم وصفقوا له على ذلك، - هي أن يقيل كل الوجوه المألوفة لديهم والتي تتوارث المناصب تقسمها ضيزى بينها، ثم تختفي، فلا يراها من أوصلوها إلى ما هي عليه، إلا في الموسم الانتخابي المقبل.
ولا توحي اللوائح المقدمة حتى الآن من أحزاب النظام أن شيئا تغير، ولا حتى بدت لذلك بوادر.
إن فرصة الحوض الشرقي الوحيدة المتبقية هي توجيه ضربة موجعة للنظام من خلال إسقاط كل وجوهه، وإيصال صوت الحوض المعارض أيا يكن حزبه إلى قبة البرلمان، حينها سيجد النظام نفسه مضطرا لإعادة النظر في سياساته الإقصائية، ويأخذ من الحوض الشرقي رئاسة الوزراء ويعطيهم مدارس ومستشفيات وجامعة ومشاريع تنموية.
ثم إن ذلك "سيكسر الحشيشة" بين القبائل وبين المعارضة، وسيعرفون أن المعارضة ليست فضيحة، ولا تخرج من الملة ولا الوطنية.
قد لا يكون ذلك الأمر سهلا في هذه الانتخابات فهي تخاض في ظروف لا يكتفنها الإجماع، والأحزاب المعارضة لا حضور يذكر لها في الحوض الشرقي، لأنها ببساطة أحزاب تقلد النظام في سياسته فتهمش من همش وتنافسه على الاهتمام بمن اهتم بهم.
ولكن إن كان من بين الفائزين الثلاثة عشر نائب واحد معارض، فسيكون في البرلمان الذي يليه ثلاثة نواب، ثم ترتفع وتيرة المعارضة إلى النصف...
والفوق ذاك إجر النظرة..

نقلا عن صحيفة الأخبار إنفو