الخميس، 30 يوليو 2015

انتظار الماضي .. إصدار قصصي قريبا في المكتبات

شكر مستحق

بعد أربعة أعوام من التسويف والكسل والتكاسل، وضعت مع "الدار العربية للعلوم _ناشرون في بيروت" اللمسات الأخيرة على مجموعة قصص قصيرة ستكون خلال أسابيع في المكتبات. 
فالحمد لله أول الأمر وآخره وله الشكر كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. 
واليوم وأنا أنشر هذا الخبر يجب علي استحقاقا أن أرسل باقات شكر وامتنان لكل من كانت له يد في ذلك. 
لمن كانت صاحبة الفكرة الأولى وسهرت ليال لجمع شتات القصص المنشورة متناثرة في المواقع والمنتديات وتهذيبها وترتيبها بالشكل الذي ستظهر به في الكتاب. 
آسية عبد الرحمن كل الشكر لك.  
للشاعر المختار السالم ولد أحمد سالم الذي كان المشجع الأول وكان أول مطلع على المخطوط فنشر على صفحته هنا تقريظا وتشجيعا حملني فيه مسؤولية رفع لواء القصة القصيرة في موريتانيا.
وللشاعر محمد ولد ادومو الذي كان أكثر من يسأل عن الجديد وأكبر مشجع. 
وللدكتور أدي ولد آدب الذي اطلع على المخطوط وقدم ملاحظاته النقدية المفيدة جدا. 
وللشاعر محمدأحيد ولد حاملي الذي كان آخر من اطلع على المخطوط فأخرج " مبارك" أخطائه. 
للمبدع المميز نجم القطب الشمالي محمد بدين ولد احريمو  الذي أوصل بصوته المميز جزء من هذه المجموعة إلى المستمعين عبر إذاعة صحراميديا والشكر إلى القائمين عليها موصول. 
لوكالة الأخبار الموريتانية كل الشكر فعبر صفحاتها وصلت جل القصص المنشورة إلى القرّاء. 
ولكل القرّاء الأخفياء الذين كان لهم الفضل في تشجيعي سواء من تواصل منهم معي أول لم يتواصل. 
ولكل من كان له يد في وصول هذا الكتاب إلى القرّاء مع حفظ الألقاب
وقبل هؤلاء جميعا الشكر لثلاثة مجاهيل كانوا السند الأول لي في خربشاتي الأولى: 
أول الثلاثة ذاك المعلم الذي زرع في حب اللغة خلال تدريسي الصف الخامس في المدرسة رقم ٣ في النعمة ولا أعرف عنه إلا أن اسمه محمد فاضل وما زلت أبحث عنه. 
وثانيهم معلق مجهول في موقع المنبر الموريتاني للإصلاح كان تعليقه هو الشاحذ لهمتي. 
وثالثهم تلك المدونة المجهولة في موقع مكتوب التي كانت تدعى سوسو سالم فقد واكبت أيام تدويني الأولى بالتشجيع وبقيت على ذلك العهد حتى عهد قريب جدا من دون أن أعرف من تكون.
إلى أبطال قصصي الملهمين؛ تلك الجالسة في " زريبة صابو" في النعمة ، طفل أخرس يبيع الياسمين في شارع بورقيبة في تونس،  متسول يعزف الكمان في موسكو، مسافرة مرتبكة في مطار المنامة، قارئة في مقهى مول ابن بطوطة في دبي، إلى صديقي حامدينو الذي لا أعرفه ولا يعرفني. 
جميعا لكم الشكر .. 
ولأن نشر هذه المجموعة لم يكن الا نتيجة جهودكم جميعا فإن العائد من طبعتها الأولى سيكون مخصصا للمدرسة رقم ٣ في النعمة في شرق موريتانيا على أن يكون نصفه جائزة للأوائل في السنة الدراسية المقبلة حسب الأول من كل فصل موزعا بالتساوي عليهم. 
وذلك أقل ما تستحق تلك المدرسة التي مررت بها قبل أشهر وقد غطت الرمال حجرة كنت أدرس فيها. 
على أن يخصص العائد من الطبعة الثانية إن شاء الله لمدرسة سايلة تلك القرية التي لها علي حقوق لا تقضى. 

الأربعاء، 22 يوليو 2015

إلى إيمان .. ليسامحني طفلك .. ليسامحني رقمك

إلى إيمان .. ليسامحني طفلك .. ليسامحني رقمك

أحمد ولد إسلم 

"السلام عليكم انا ايمان من سوريا حمص عندي طفل رضيع وبحاجة ومطلوب مني مصروفو زوجي مجاهد بسوريا وساكنة مع ابوي وامي عاجزين وكبار بالعمر ومكسورين على أجار البيت شهرين مالنا معيل غير الله جزاكم الله خير اذا لكم قدرة بمساعدتي 00962778847368"

أختي الكريمة إيمان الرمضون، وصلتني رسالتك هذه قبل أسبوعين، لا تعرفين من أنا، وكان لي أن أتغاضى عنها مثل عشرات الرسائل التي تصل إلى بريدي يوميا من حالات مشابهة احتيالا أو قلة حيلة، ولكن الصدق في صوتك المرفق معها ورنة الحزن الباكي المردد صداه في أذني كلما سمعت الرسالة، ونظرت إلى صورة ذلك الرضيع الحالم، والغافل عما حوله، الناقم غدا علي وعلى أمثالي، وبطاقة التعريف المرفقة بالرسالة دليلا على صحتها لم تترك لي مجالا للتجاهل أو التغاضي.
أعلم أن حرة محصنة مثلك ما كانت لترسل اسمها الثلاثي وصورة طفلها وبطاقتها التعريفية إلى مجهول إلا حين لم تجد غير ذلك سبيلا.
وأعلم أنك حين أرسلتها كنت مكثرة الرمي قصد الإصابة، وآمل أن لا يكون حظك منها ما أصابني.
"ذهب الذين يعاش في أكنافهم" يا إيمان.. ذهبوا.
لا أكتب إليك متفهما حالا، ولا متضامنا لفظا معك، فقد علمت أن العذر لا ينفع إلا قائله.
وإنما أكتب إليك اعتذرا لطفلك.
طفلك الجميل الذي لم يبلغ في الصورة التي وصلتني شهره الثالث -تقديرا-، تذكرته قبل أيام وأنا أشتري ملابس العيد، وأزاحم آباء الأطفال وأماتهم في المتاجر، تذكرته وأنا أتلقى صور الأطفال فرحين بملابسهم، تذكرته قبل دقائق وقد أعيتني حيلة لوصله فلم أجد إلا الاعتذار.
ليسامحني طفلك.. يا إيمان.. ليسامحني طفلك.
أعلم أنه لا يدرك أنه ولد عام الخراب، وأنه لا يعرف شيئا عن القانون الدولي ولا الرقابة على حركة الأموال، ولا يعرف شيئا عن الولايات المتحدة ولا وسترن يونيون ولا بطاقة التعريف الموحدة ولا تطبيقات الهاتف المحمول.
لا يعرف شيئا عن اللجوء.. وآمل أن لا تطول محنتك فتدركه، ولكنك تعرفين.
كتبتِ أنك في الأردن.. وصدق ذلك رقم طويل ربما أعطاه جهاز حاسب آلي تعس لا يدرك معنى أن يكون إنسان بجسمه وعقله وروحه المعذبة وأطفاله وأحلامه محض رقم من عشرة رموز.. ولكنك تدركين.
هنا في أرض النفط والمال الباذخ وغابات الإسمنت وملاعب الغولف.. لستُ سوى رقم مثلك تماما.. نسبي رقم من عشرة رموز، وأموالي أرقام في جهاز غبي يتعامل معي تماما مثل ما يتعامل جهاز اللجوء الغبي الذي منحك رقما.
هنا يا سيدتي و- الكلام موجه إلى طفلك - جنسيتي رقم يحظر عليه أن يحول أموالا إلى شخص آخر لا يحمل الرقم نفسه.
وحين زرت رجلا يطيل المكث عند باب السوق يحمل صور أطفال مثل طفلك مستحثا أمثالي على العطاء، شرحت له رغبتي في أن يصل مالي إليك أنت عبر "جمعيته الخيرية" المؤتمنة على أموال المسلمين.. قال بكل بساطة: اتصل بهذا الرقم.
كان الرقم لموزع آلي يتعامل بالأرقام؛ "للصدقة الجارية اضغط الرقم واحد.. لكفالة يتيم اضغط الرقم ... لبناء مسجد اضغط الرقم..." لم يكن من بين الخيارات لإرسال أموال إلى إيمان سلامة الرمضون اللاجئة السورية في الأردن اضغط على الرقم.."
كيف أشرح لطفلك أنه ولد في عالم الأرقام؟!
كيف أفهمه أن الأمم المتحدة تعده من ضمن الملايين الخمسة من الأطفال المحتاجين إلى رعاية .. وإن لم تنشر اسمه على موقعها الرقمي؟
كيف أشرح له أن النشيد الرديء الذي كنت وإياك – على تباعد بيننا – نردده في طفولتنا "بلاد العرب أوطاني" محض كذب؟
عزيزي ابن إيمان.. وسامحني على مخاطبتك هكذا لأني لا أعرف اسمك ..
حين تكبر ستعرف أن أمك امرأة عظيمة لأنها تكابد كي تعيلك، لم تبع عرضها ولا رمتك في ملجأ، ولا تركتك في حمص، ربما حين تبلغ الرشد ستعرف يوما أن المسافة من حمص إلى الأردن ليست بذلك القرب الذي تراه على الخريطة، وربما لا تكون هناك خريطة حين تكبر، ولكن عليك أن تعرف أن أمك امرأة عظيمة.
يمكن أن أبيت ليلتي هذه وأنا أكتب على هذا الجهاز الرقمي الذي يحول كلامي إلى أرقام، وأن أحدثك عن شيم العرب وأبي بكر الصديق وعثمان وطلحة وعن معن بن زائدة وحاتم الطائي وعن المعتصم .. ولكن ما فائدة ذلك..؟ 
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم .. 
ستنشر هذه الأسطر في أشهر المواقع والصحف في البلد الذي أحمل رقمه الوطني وسيقرأها آلاف من الناس، وربما أشاد بها بعضهم وربما تحمس آخرون وكتبوا شيئا اسمه "هاشتاغ #كلنا_إيمان_الرمضون وابنها ولكنهم ليسوا كذلك.. إنهم مجرد أرقام.
أما أنا فسأكتفي بالاعتذار، وعذري عاجز حتى عن إرضائي.. آمل أن تسامحني حين تكبر – إن كبرت يوما – آمل ذلك.





السبت، 11 يوليو 2015

ولماذا يضحك..؟! (قصة قصيرة)


أحمد ولد إسلم  
على غير عادتها، كانت زوجتي تقف على باب الكوخ الخشبي في كامل صحوها وتقول إن الشاي جاهز،.. لم أصدق سمعي فلم يحدث أن استيقظت في هذا الوقت،.. كان ابني ينتزع المسبحة من يدي ويضحك.. يضعها في فمه، يرميها على الأرض ويضحك..نوبة غريبة من الضحك انتابته من غير سبب..
رددت مريم : ألم تسمع؟ قلت لك تعال فقد بردت كأسك..
حملت ابني على كتفي كان مشدوها إلى المسبحة قرب طاولة التلفزيون وما زال يضحك، أثارت ضحكاته زوجتي فلم تتمالك أن ضحكت..وضحكت أنا أيضا..
-
من أين جئت بكل هذا؟
-
من دكان سيد أحمد؟
-
ألم يقل لك البارحة إنه أغلق الدفتر حتى نهاية الشهر؟
-
بلى.. ولكني فوجئت به اليوم وهو يسلم علي منبسط الأسارير يحمل على كتفه كيس الخبز، فانتهزت الفرصة وطلبت كل شيء دفعة واحدة، لم يعلق ولو بكلمة كان يتابع أمرا ما من شق بابه، أعطاني ما طلبت وحملني السلام إليك..
-
غريب!
***
في الكوخ الخشبي المخصص للأمتعة وجدت ملابسي مرتبة،.. قميصا قرمزي اللون مكويا حديثا وضع على بنطال أسود، حذاء ملمعا وعليه جوارب جديدة؟
-
من فعل هذا يا مريم؟
-
أنا
-
متى؟
-
استيقظت لدى خروجك إلى الصلاة فأردت أن استغل انتظاري عودة سيد أحمد من المخبز في كي قمصانك...
لا شك أن إحدى بنات خالها عادت من سفر أو رزقت بمولود..قطعا  أن عندها طلبا كبيرا ستلقيه على كاهلي...تمتمت بذلك وأنا أريح عبق عطر جميل ضمخ به القميص..
قبلت ابني قبل الخروج، وحين أنزلته عن كتفي حبا إلى السرير يتوقف كل سنتمترات يلتفت إلى أحد جانبيه ويضحك..يضع كل ما وقعت عليه يده في فيه .. كأنه وزير.
***
على الرصيف المغبر وأنا انتظر الحافلة كان تصرف زوجتي الغريب يشغل ذهني، لم أستوعب هذا التفاني والنشاط المفاجئ، وهذه السعادة التي غمرت الجميع فجأة حتى سيد أحمد - الذي يتجادل الجيران في حقيقة أنه فقد إحدى قواطعه في حرب الصحراء لأنه لم يبتسم يوما- قالت مريم إنه لم يعلق على ما أخذت من دكانه...
أخرجني منبه سيارة فارهة من سورة شرودي، أشار إلي صاحبها بعد ما توقف في منتصف الطريق.. تقدمت خطوات منه مستفهما عن غرضه..
-
ألست قاصدا وسط المدينة؟
-
بلى سيدي ..
-
تفضل إذا
-
شكرا لك.. أنا أنتظر الحافلة
-
تعال.. أنا ذاهب أصلا إلى مجمع الوزارات ما يضيرني لو حملت من يؤنسني ؟
-
جزاك الله خيرا
كان الخطاب الطويل لرئيس الجمهورية ما يزال متواصلا في الإذاعة، وصوت مكيف السيارة أضفى عليه هدوء ناسب وعوده..
أحسست بشي صلب في جيبي، تلمسته فإذا ورقة مقتطعة من كيس الشاي، كتب عليها بخط رفيع متداخل الحروف كأن صاحبه كان مرتبكا" عد سالما.. أحبك..أم بلال"
انفجرت ضاحكا..، خفض الرجل المتأنق صوت المذياع، وقد استغرب ضحكي المفاجئ، فاسترق النظر إلى الورقة، ثم غلبت ابتسامة ملامحه الرسمية..
-
معذرة مسبقا.. ولكن ألم تجد غير هذا الاسم لابنك؟
-
أنت أيضا تعترض عليه؟!
-
لا أظنه لأحد من أقاربك..أليس كذلك؟
-
جدتي رحمها الله توفيت وهي ترفض أن تنادي ابني بهذا الاسم، قالت إنها رأت في منامها أحد الأولياء يخبرها أن ابني سيكون اسمه يحيى وقد أزعجها إصراري على بلال، الذي ليس موجودا في شجرة عائلتنا...
أعدت النظر إلى الورقة، وضحكت من جديد..
غريب أمر زوجتي مرت خمس سنوات منذ تعارفنا لم تقل لي يوما "أحبك"، حتى أيام الجامعة حين أهديها ما استطعت شراءه من منحتي تكتفي بالقول : لماذا تكلف نفسك..؟
وفجأة اليوم تستيقظ فجرا، تجهز الشاي، تكوي الملابس، تلمع الحذاء وتقول "أحبك"!
***
لم تكن في الطريق زحمة ، وكأن الناس مشغولون بأمر عظيم، حتى المتسولون الذين تعج بهم ملتقيات الطرق في مثل هذا الوقت كانوا قلة، ولم يكونوا متحمسين، ربما لأنه لا ازدحام يجبر السائق على التوقف، حاولت إحداهن الوقوف مستندة إلى عكازها لكن السيارة لم تتمهل عند الضوء الأحمر فعادت المسكينة لمواصلة حديثها مع جارتها التي كانت باسمة.
لم أجد في مقر الشركة حين أنزلني الرجل الكريم عندها سوى بائع بطاقات رصيد الهاتف، سلم علي بحرارة بعدما نزع سماعة من أذنه اليمنى قائلا: ألن تشتري بطاقة.. كل شركات الاتصال ضاعفت الرصيد اليوم؟
-
ما المناسبة؟
-
لا أعرف، استخدمت بطاقة في هاتفي الشخصي فأظهرت رصيدا مضاعفا ثم اكتشفت أن كل الشركات لديها عروض مماثلة.
-
لا بأس إذا.. ووضعت في يده المائة التي كنت سأركب منها الحافلة طالبا تحويلها إلى رصيد
في الساعة العاشرة، وبعد ما أكملت تنظيف المكاتب وجلبت الإفطار للمدير العام، ووضعت الإبريق على الفرن لأعد له الشاي، ناداني مدير الموارد البشرية، كانت قسماته عابسة خلافا لكل من التقيت اليوم، نظرني شزرا، وقال بصوت أجش كأنه يصدر من أمعائه: شكرا لإخلاصك، لا داعي لتحضير الشاي، هناك من سيقوم بتلك المهمة.
-
هل لك حاجة ترسلني إليها؟
-
لا..ولكن الشركة استغنت عن خدماتك
-
ارتعدت فرائصي، حاولت أن أقرأ في عينيه بريق المازح، أو أن أحفزه بصمتي على تفسير ما قال، غير أن شابا آخر قاطعني بقوله أين تضع السكر ؟
-
هناك في الخزانة المحاذية لمدخل قاعة الاجتماعات...قلت ذلك وأنا شارد.
 تماسكت واستجمعت كل قواي وقلت للمدير: هل يمكن أن أفهم خلفيات القرار؟
نظر إلى ببرود، وقال: من لا يشكر الناس لا يشكر الله.. ثم أشعل سجارته وألقى بثقله الكامل على مسند الكرسي
على بوابة الخروج استقبلني بائع بطاقات الرصيد قاطعا حديثه مع أحد زبائنه: سمعت أنهم فصلوك.؟
-
سمعت ذلك
-
هل عرفت السبب؟
-
لا، لم يقدم لي تفسيرا
-
سمعت أن المدير العام قال إن ابنك كان يضحك اليوم وهو ينظر إلى الرئيس في التلفزيون...
 قال ذلك وهو يشغل مكبر الصوت المعلق على كتفه..."تحويل رصيد الف ألف وخمسمائة، ألفين أربعة آلآف..." فيما كنت أتفرس في وجوه السائقين بحثا عن فاعل خير.. ويدي تضغط قطعة ورق صلبة من كيس شاي".