الأربعاء، 14 مايو 2014

توديع الصبا

أحمد ولد إسلم

بعد ظهر يوم اثنين غائظ قبل ثلاثين عاما، رزق في الحي الواقع شمال المستشفى القديم  بمدينة النعمة في الشرق الموريتاني رجل مكافح وسيدة رائعة بطفل، طرق باب الحياة في عام "الدقيق" كما عرف محليا، لاحقا عرف أنه عام وصول دقيق القمح إلى تلك البقعة من أرض الله الواسعة جدا.
كان يوم الرابع عشر من مايو عام 1984 يوما مميزا جدا في تلك العائلة، فالأب يرزق بأول ابن ذكر له، ولاحقا ستعرف الأم أنه سيكون آخر أبنائها.
سنوات بعدها سيدرك هو معنى أن يجمع بين الأول والأخير..
كانت الأم تحلم به عالما فسهرت ليال لتحفيظه القرآن، وكان الأب يحمل به حافظا للقرآن ثم مهندسا أو طبيبا، فكافح كثيرا في الحياة ليوصله إلى هذا الهدف.
في منتصف طريق حلمي الأبوين تشكلت معالم حلم ثالث للابن، حفظ القرآن لكنه لم يتفرغ للعلوم الشرعية كما حلمت الوالدة، ولا للعلوم التطبيقية كما أراد الوالد.
فقبل عشر خمس سنوات من عام 2000 كان في المدرسة رقم ثالث معلم يدرس السنة الخامسة ابتدائية زرع في قلب الطفل حب الأدب العربي ولغته، وشكل منه شخصية حالمة بذكر اسمها يوما بين مصاف الكتاب.
وعام 2001 شكل اختيار طرف رابع خطوة مهمة ليغير المراهق - بعد معركة أدبية-  مسار تخصصه من العلوم التطبيقية إلى الأدب.
كانت تلك خاتمة حلم الأب فرضي بها، وواصل كفاحه ليصل الإبن إلى مراده.
ولأن الأدب لا يطعم خبزا، كان الاعلام أقرب، فشق الطفل طريقه مكتشفا عالما جديدا وقافزا من أحياء النعمة الفقيرة والجميلة إلى شوطئ المتوسط الفقيرة والجميلة أيضا.
تعلم الطفل من أمه توزيع السعادة من دون انتظار شكر، ومن أبيه الكفاح حتى النهاية..
أمضى ثلاثين عاما مبتسما ومكافحا، كان إذا اغتم تذكر كلمة السر بينه وبين أمه، " يا الراجل اضحك".. وإذا هم بالتراجع تذكر كلمة أبيه وهو يصافحه أول مرة مودعا إياه في ليلة مظلمة من أكتوبر قبل عشرة أعوام " لقد اخترت دربك بنفسك .. والحر في ما مشى"
اليوم يودع ذلك الطفل آخر يوم في صباه، اليوم يضع قدمه على أول عتبة في عقده الرابع، جلس طويلا ووحيدا لحساب خسارته وربحه في ما يتفرض أنه منتصف العمر.
لم يتخيل أنه سيكون هنا في هذا اليوم، وحيدا في شقة على مقربة من شاطئ الخليج، لا يشاركه أحد..
**-**-**-**-*-
عند هذه الجملة وصلت رسالة جماعية أصدقائي في قناة الحدث غيرت كل شيء..
صدقوني كلمة واحدة قد تشكل فرقا..
لا أعرف كيف أشكرهم..
لن أكمل النص الذي بدأته فأنا لن أكون وحيدا بعد اليوم.