الثلاثاء، 31 مارس 2015

أرجو ممن اطلع عليه التواصل معي


تردني في إحصائيات المدونة أنها تزار كثيرا من بلدان لا أعرف فيها كثيرا من الناس، مثل الولايات المتحدة والكويت وفرنسا والعربية السعودية وبريطانيا، ومنذ يومين تزار بكثرة من تونس.
لذلك سأكون سعيدا بمراسلة زوار المدونة وتلقي اقتراحاتهم من أجل تطويرها لأني غبت عنها زمنا طويلا، وأنا متفرغ لتطويرها هذه الايام و احتاج اقتراحاتكم 
راسلوني على البريد الألكتروني 
ahmed3112@hotmail.com

الأحد، 29 مارس 2015

ابتسامة حامدينو (قصة قصيرة) بصوت الرائع محمد ولد بدين

السبت، 28 مارس 2015

لو زارنا جورج..

أحمد ولد إسلم

جورج ناصيف، صحافي لبناني متمرس، يعمل منذ سنوات منتجا لبرنامج مهمة خاصة في قناة العربية، قادته الأقدار وإياي إلى زيارة العاصمة الموريتانية نواكشوط، مطلع فبراير الماضي، كانت الزيارة الأولى له إلى موريتانيا، لم يكثر أسئلته عنها قبل الوصول، فصحافي مثله يدرك أن العين أصدق من الأذن، خاصة حين تسافر مع عربي إلى بلده، ولم أكثر له المديح ولا القدح، وثقت بعينه كما أثق بعدسته.
وشهر فبراير من أفضل الأشهر التي يمكن أن تزور فيها موريتانيا، حيث الطقس معتدل، لم أشرح لصديقي أي شيء فقد كنت أتولى التنسيق مع الجانب الحكومي حول إجراءات الزيارة ومع المعنيين بالملفات التي سنعالجها، لكن موريتانيا ترفض دائما من يداري عيوبها.
كانت الصدمة الأولى لجورج في دبي، فكونه يحمل جوازا لبنانيا يحتاج تأشيرة دخول، والإجراء الروتيني الذي ألفه جورج مع غير السفارات الموريتانية أن ترسل القناة سائقها معه الوثائق المطلوبة والرسوم المستحقة، ورسالة تكليف.
ولأننا بلد مختلف – مع جواز التصحيف – كان الرد بعد يومين من السفارة أن التأشيرات الخاصة بالصحفيين لا بد لها من موافقة السفير شخصيا، وبطرقتي الخاصة حصلت على رقم السفير، كان مهذبا جدا وأبدى الكثير من الرغبة في "تعدال الغاية" ولكن الأمر يتجاوزه فهو يحتاج أن ترسل إليه موافقة من الخارجية، اتصلنا بالخارجية وكان بها زميل سابق لنا، وهو الآخر مهذب جدا، وخدوم، ولكن الأمر ليس بيده، فهو يحتاج رسالة موقعة من وزارة الإعلام وليس دور الخارجية إلا إرسال الرسالة إلى السفارة، وفي وزارة الإعلام من حسن حظ جورج أن بها زملاء سابقين مهذبين وخدومين، ولكنهم يحتاجون رسالة من القناة موقعة من إدارتها تشرح طبيعة المهمة.. والخلاصة أننا بعد أسبوع حصلنا على تأشيرة لجورج.
جورج قادم قبل أسبوعين من أحياء الصفيح في مصر، وقبلها من مخيمات اللاجئين الفلسطيين في لبنان، ما يعني أن أي مشهد يؤذي العين لن يكون غريبا عليه، لذلك لم أزده ونحن ننزل من سلم الطائرة على قولي" لا تنتظر حافلة توجه مباشرة إلى مدخل المطار"
في المطار (...) لن أطيل القصة أنتم تعرفون ما يحصل هناك.. لكن اللافت فيها أن القناة أرسلت معنا رسالة مختومة تتضمن كل المعدات التي بحوزتنا لنسلمها إلى جمارك المطار، وحين أردت فتح الحقيبة لأعطيها للجمركي، قال لي بالحرف الواحد" أح اتحرك لا تحصر الخلق" استحييت من إعادة الرسالة المؤسسة وما زالت احتفظ بها.
أمضى جورج خمسة عشر يوما في نواكشوط، تنقل فيها بين أحيائه المختلفة، وحرصت كل الحرص، - ربما يقرأها جورج الآن للمرة الأولى- أن لا أمر به على أحياء مزرية الحال، وكان يقيم في فندق بتفرغ زينه، اشتكى فيه الباعوض، وغيّره لأن به صراصير.. مع أنه فندق من أربع نجوم ويعقد فيه وزير الإعلام بمحض الصدفة ورشة في  اليوم نفسه.
خرج جورج بثلاث ملاحظات عن البلد أولها أن أهله مثقفون وواعون بكل أحداث العالم.. بطريقة مهذبة "أهلو ما فايتهم شي".
وأنهم غير مستعجلين إطلاقا، لذلك لم يحدث أن جاءنا شخص في الموعد الذي اتفقتا عليه قبل ساعة من انتظاره، إلا مرة واحدة وكانت عن طريق الخطأ، حيث  ذهبنا إلى الموعد بعد ساعة وصادفنا الضيف يدخل، بطريقة مهذبة "لا يقيمون وزنا للوقت".
الملاحظة الثالثة أنهم مجتمع متدين، ولأنه مسيحي متدين فقد أعجبه ذلك.
حين عدنا إلى دبي اختصر لي جورج وجهة نظره في حال البلد بعبارة أسرتني قال:
" لا أجد تفسيرا لما تعيشه موريتانيا الا تفسيرا واحدا وهو انهم مجتمع متشبع بالتصوف منشغل قلبه بالآخرة فلا يرى ما في الدنيا.. إذ يستحيل ان يكون هناك من يشعر بالسوء وتبقى الحال كما رأيت"
لم يكتب جورج أي شيء عن رحلته، وأنا أشكره جدا لأنه لم يفعل،  فلو كتب لانهالت عليه سهام كتائب البشمركة و"الوطنيين" الغيورين على سمعة بلدهم.
أتذكر هنا عبارة قالها مرة مصور من غانا كان في مدينة النعمة وكان الوحيد الذي يملك محلا للصورة الفوتوغرافية الجاهزة، صور امرأة دميمة فاشتكت من ذلك واحتجت عليه فقال كوفي" أيوه أنا أللا صور توف"..
جورج زارنا في شهر فبراير وسكن في تفرغ زينه، ولكن ماذا لو زارنا الآن؟
جورج مثل كوفي.. لا يضيف تعديلا على المشهد.. إنه يصور فقط.
الحمد لله أنه في إجازة الان...
 
 




هل أشرح لك..(قصة قصيرة)


أحمد ولد إسلم 
Ahmed3112@hotmail.com

كانت الشمس الموسكوفية متلفعة بغيم داكن، والبروق تخطف الأبصار، والكل يترقب القطرات الأولى ليفتح مطريته، لا وقت عند أحد للتوقف..والمحظوط من دخل النفق المخصص للراجلين قبل نزول المطر..
من الدرج المؤدي إلى النفق تدفقنا أفواجا..لا أعرف لمَ اعترضتني دون غيري..كنت أنظر هاتفي فهناك من ينتظرني، وعلي الوصول بعد ربع ساعة..
بصوت هادئ قالت: من فضلك خذ واحدة.
تجاوزتها معتبرا أنها تحدث غيري، أو أن العرض عام، لكنها تقدمت بخطوة نحوي، وهي تعترض جزئيا طريقي وأعادت بهدوء جملتها، وعيناها الغائرتان المشدودتان من طرفيهما تركزان علي.
مستعجلا ومتملصا قلت لها :ليس الآن.
وقفت بحزم أمامي وقالت أنت ذاهب إلى موعد، لا بد أن تختار واحدة:
"
هذه يمكن أن تهديها لحبيبتك إن كان هذا أول لقاء لكما، فهي مختلطة فيها ورود حمراء ومع ذلك فيها بنفسج محفوف بالياسمين ستكون معبرة عن صدق مشاعرك.
وهذه باقة حمراء خالصة ستثير حبيبتك، وتفيد في تجديد العهد بينكما، خاصة إن كنت لاحظت فتورا عاطفيا في أيامكما الأخيرة.
ولك أن تختار أي واحدة من الباقات الأخرى، فهي جيدة في ذكرى عيد ميلاد إحدى صديقاتك مثلا، لأنها متوازنة لا تعبر عن الحب في بعده الثنائي، بقدر ما تعبر عن التقدير والوفاء..
أسعارها مناسبة، أغلاها بمائتي روبل، وأؤكد لك أني اقتطفتها جميعها صباح اليوم من حديقة بيتي التي اعتني بها بنفسي..أنظر ما تزال يدي ترشح، فقد انغرزت شوكة في إبهامي وأنا أقطفها قبل ساعة من الآن..يمكن أن تتنسم شذاها ستتأكد أنها جديدة ..ما زالت تفوح.."
كان علي البحث عن وسيلة أفهمها بها أنها ضيعت ثلاث دقائق من وقتي، وأن كل الخيارات التي قدمت، ليست ضمن مفكرتي، فأنا لا حبيبة لي إطلاقا، ولا تربطني علاقة صداقة مع أحد في هذه المدينة.
وأعياد الميلاد ليست من ثقافتي، وكل من أعرفهم ولدوا حسب الوثائق في يوم واحد ، فلا يجازف أحد بتخليده، كما أن ذلك التاريخ الموجود في وثائقهم لا يعني لهم شيئا، لأنهم ولدوا في يوم آخر.
وأكثر من ذلك، أني لا أستطيع الوقوف على حقيقة ما قالت، فلا فرق عندي بين ما في سلتها من باقات.
فبحكم النشأة لم أعتد تبادل الورود في المناسبات العامة، وكل ما أعرفه منها نوارٌ أصفر يكسو الطلح، ويخصص غذاء لصغار الخراف.
والأشجار عندنا -عكس العالم كله- تينع في موسم الخريف، رغم أني درست في مراحلي الأولى أن الخريف موسم لتساقط أوراق الشجر، وظل ذلك يشكل عقدة بالنسبة لي، حتى أدركت متأخرا فارق خطوط العرض.
لا أعرف إن كانت العجوز - التي تكبر جدتي قطعا- قالت كل ذلك، أم أني توهمته من حركات يديها المرتعشتين، فأنا لا أفهم الروسية حين يتحدثها الموسكوفيون بطلاقة، فكيف ولكنتها الطاجيكية حولت حديثها إلى شريط يسمع مقلوبا.
خلال شرحها المستفيض كنت أتأمل ملامحها، فقد أخذتي بعيدا إلى ربوع نشأتي الأولى، فسود الأيام حفرت في وجهها أخاديد ذكرتني بــحال قيعان أعرفها في هذا الفصل بالذات من السنة حين تكون شقوقها فاغرة، تنتظر بلهفة أول الغيث.
وعلى رأسها لفت منديلا أبيض، جمعت به شتات ما أبقت لها الأيام من شعرها المستسلم لقدر لونه الأخير، وكذلك من هن في مثل عمرها من عجائز بلدي - على قلتهن – ما زلن محافظات على تلك الخرقة السوداء التي تستر الشعر حال سقوط الملحفة عنه، وكثيرا ما كانت موضوعا لأعذب أشعار الغزل حيث تسمى "الملوى".
رفعت العجوز وجهها المكفهر إلي وأنا مستغرق في تأملاتي بعيدا عن رطانتها، فأدركت بمرارة أنها ضيعت جهدا دون طائل.
قلت بصعوبة كلمة سمعتهم يقولونها في الوداع ومعناها "أراك قريبا"، وتركتها وهي تحاول صعود السلم بحثا عمن يستوعب معاني ما تحمل ، أو يدرك دلالات ما تقول.
مسرعا بخطواتي لتعويض وقتي الضائع، انتصب في طريقي عند فتحة النفق المؤدية إلى محطة القطار السريع، رجل أربعيني.. أجبرتني قامته الفارعة وبذلته الأنيقة جدا على التوقف.
كان يسند كمانا إلى قلبه، وتنساب بين أنامله نغمات باكية تختزل حزنا باذخا، وكانت عيناه الزرقاوان مغرورقتين، تجول فيهما دمعة بلورية شفافة انحدرت على خده بتفاعل غريب راسمة خطا مستقيما استقامة قامته
التفت خلفي لأسأل العجوز إن كان في سلتها ما يعبر عن التعاطف مع المحزون، لكنها اختفت بين مئات المسرعين للاحتماء بالنفق من وابل بدا أكثر فهما منا جميعا..

موسكو.. 2009

المشموم..(قصة قصيرة)

أحمد ولد إسلم
Ahmed3112@hotmail.com


في هذا الوقت من الليل، وهذا الفصل من السنة وعلى طول هذا الشارع الذي يحتضن ذكريات آلاف العشاق، وأنات مئات المشردين، انتعل نظرة الناس إلي، أتدثر بقليل من الأمل، احمل هذا الطبق الذي كنا نأكل فيه قبل قليل ما اشتريناه أمس..
أراك تنظر إلي باستغراب..!
أنصحك بتغيير زاوية نظرك، مثلا؛ هل لك أن تعرف - أو على الأقل أن تخمن - كم في هذه الباقة التي وضعت على طاولتك من زهرة  ياسمين؟
أعرف أنك لا تهتم كثيرا بعددها، وأفترض أنك لا تهتم إطلاقا بالطريقة التي جمعتها بها، ولا كم من الوقت والجهد  بذلت أمي  لأقف الآن على بعد ستة عشر سنتيمترا منك وأقدم لك باقة من الياسمين.
أعرف أيضا أنك قد لا تقيم وزنا لرائحتها الزكية،  بل قد تفضل  رائحة الدخان الأمريكي الفاخر الذي تداعب..
لست وحدك في ذلك، أنظر مدى بصرك في هذا الشارع، تشهد كل طاولة في سلسة المقاهي المتراصة هذه، على مواظبتي.. بل على كرمي.
إنني أهدي هؤلاء المتسكعين هنا، الهاربين من جحيم اللون الأحمر في الأخبار العاجلة، أو المصدومين من انهيار سعر الدولار، أو المتألمين من هجر حبيب أو الباحثين عن ثمن رغيف... أهديهم فسحة أمل.. أو لحظة تأمل.
لست بارعا في التسويق كما ترى، لا استدر جيوبهم بالحديث عن فوائد المشموم، ولا أناقش معهم ثمنه.. بل على العكس إن ربحي ممن يصدني بانتهار أضعاف ربحي من هذا الدينار..
أسمع كل يوم مواعظهم عن الدراسة وعن اليونسيف وقانون العمل، لكنهم يجهلون أن ثلاث فتيات وبقية حياة أم رملتها ذات يوم في هذا الشارع رصاصة جندي مجهول امتشق رشاشه وأفرغه في صدور متجمهرين يخشون على أبنائهم مصيرا كمصيري، أن كل أؤلئك وأنا، نعيش من " المشموم".
هل تعرف قصة هذا " المشموم"..؟!
دعني أحدثك: في المساحة الصغيرة جدا شمال كوخ الصفيح الذي يأوي إليه أربعتنا كل مساء، ابتكرت أمي هذه الحرفة، تغذي جنينتها الصغيرة بالماء الذي استعمل للغسيل، وعند الغروب، حين تنحني زهور الياسمين تعظيما لكفاحنا، تقطف أمي ست عشرة زهرة بلطف كل مرة،  تجمعها برفق حول اثني عشر عودا رقيقا من بقايا حصيرنا الذي جلبناه من الريف يوم حصل أبي على وظيفة فراش في بلدية تونس العاصمة، تفتل خيطا رقيقا من طرف ثوبها، تجمع  كل ثمان وعشرين زهرة حول اثني عشر عودا وتلف حولها الخيط عشر مرات، ثم توزعها بيننا؛ تعطيني ثمان وعشرين  باقة ولأختى الوسطى اثنتي عشرة، ولأختى الكبرى عشرين وللصغرى عشرا.
تطلب مني أن أكتب لها في الورقة التي كانت كشف راتب آخر شهر عمل فيه أبي  عدد الباقات التي أخذ كل منا، وأن أجمعه، تفعل ذلك كل يوم، مما جعلني أوهمها بأني كتبته لكني لا أفعل، فالمجموع دائما سبعين باقة تماما كما كانت علاوة الأنباء في كشف راتب أبي، تساءلت مرة عن سر حرص أمي على هذا التوزيع، وحين كتبت الأعداد هكذا 28+12+10+20 عرفت أنه تاريخ وفاة أبي، خلال ثورة الياسمين، هل فهمت الآن أن هذا المشموم هو الوحيد الذي يجعلني وأخواتي وأمنا نتذكر كل يوم أننا نوزع الأمل على الناس في الشارع الذي قتل فيه أبونا من أجل أن ينعموا بهذه الجلسة..
هيه.. هيه.. هل ستدفع لي دينارا أم آخذ باقتي؟


تونس 25-08-2011

رقم مخفي.. (قصة قصيرة)



أحمد ولد إسلم
Ahmed3112@hotmail.com

بعينيها الصافيتين، المختبئتن تحت نظارتي قراءة، كانت تجلس في زاوية قصية بأحد المقاهي الراقية في حي " دبي مارينا"، تحرك نسائم الخليج المحاط بغابة من الأبراج طرف ملحفتها لازوردية اللون، وبين يديها كتاب يبدو غلافه أنيقا، وأمامها فنجان قهوة لا يبدو أنها احتست منه أكثر من رشفتين.

وهي منهمكة في مضمون الكتاب الذي تقرأ، ما يوحي أنه رواية جيدة الحبكة، أو كتاب فلسفي عميق، يستهلك كل تركيزها، ويجعلها في عزلة نفسية عن ضوضاء التكنولجيا المحيطة بها، ويلهيها حتى عن الاستمتاع بالنظر إلى الخيوط الرقيقة لأشعة الشمس التي تكافح بصعوبة لاختراق الفراغات الضئيلة بين الأبراج الشاهقة لتطبع قبلة وداع على مياه لم تترك لها اليخوت الفارهة فرصة لرد التحية.

كنت أبث هموما رافقتي من الليلة الماضية، عبر دخان سجارتي المتماوج بكسل، وقعت عيني على تلك الزاوية القصية، انتابني فضول عارم لالقاء التحية.

وتساءلت أيعقل أن تكون موريتانية؟!

إن كانت كذلك فما الذي أتى بها إلى مقهى في أحد أكثر أحياء دبي بروجوازية في هذا الوقت بالذات؟



كانت القهوة والكتاب الأنيق والتركيز المفرط، والتكيف مع الضوضاء الهادئة مؤشرات جعلتني أستبعد كونها موريتانية؟

وكانت الملحفة اللازوردية، وطرفها المنسدل على يسارها، ونقوش خطوط الحناء الدارسة على كفها الأيسر تؤكد أنها قدمت لتوها في رحلة استغرقت اثنتي عشرة ساعة طيران.



قادني الفضول لأكون منها على مسافة لا تزيد على أربعين سنتمترا، وكان عطرها الفرنسي الهادئ، يغالب رائحة الدخان السويدي المنبعث من بين أصابعي.



لم يكن الكتاب الذي جعلها لا تلاحظ قربي اللافت من كرسيها سوى "رواية خيالية" لكاتب انجليزي نشرت في النصف الأول من القرن الماضي تتحدث عن فساد قادة الثورة السوفيتية، الراتعين في الجهل والغباء كحيوانات في مزرعة.



كان عنوان الكتاب كافيا لتبرير انشغالها، فلن تجد اسقاطا لمضمونه أكثر قبولا من الزمان والمكان اللذين تجلس فيهما.



تقدمتُ بلطف وقلت بإنجليزية حاولت جهدي أن لا تحمل لكنة تفضح أصلي، وأنا أضع يدي على الكرسي المقابل لها:



هل تسمحين...؟

تفضل..

لي بالجلوس؟

لا.

وعادت إلى مزرعتها، وعدت إلى حيرتي.



سحبت الكرسي بهدوء مفتعل، وجلست في الطاولة المقابلة لها تماما، طلبت قهوة بحجم فنجانها، أشعلت سجارة أخرى، واسترقت النظر إلى تقاسيم وجه كان من الصنف الذي يوحي إليك أنك تعرف صاحبه من زمن بعيد.



مر نصف ساعة ولم ترفع عينيها عن الكتاب، ولم تحتس من قهوتها الباردة سوى رشفة واحدة، ولم تنتبه لهاتفها الذي تضيء شاشته بين الحين الآخر.



تقدمت إليها نادلة تحمل مغلفا يحوي الفاتورة، وتقدمت مني أخرى فأشرت إلى التي معها، فأتتني، بينما كانت هي تخرج من حقيبة يد جلدية أنيقة بطاقة ائتمان لتدفع..



طلبتُ من النادلة أن تخصم مبلغ فاتورتها ، أرادت أن تستأذنها، فألحمت إليها أن لا داعي لذلك.



وضعت بطاقتها الصادرة عن بنك بريطاني في المغلف وانتظرت عودة النادلة، اثم عادت إلى كتابها الذي لم يبق دون دفته اليمنى سوى صفحات قليلة.



هل يمكن أن أسألك سؤالا؟.. قلت بصوت لا يخلو من خجل.

لا يبدو أنها سمعت ما قلت.. أو أنها فضلت عدم الإجابة.



ارتشفت قليلا من قهوتي الباردة، وسحبت نفسا من سجارتي واستجمعت ما معي من جرأة لاقتحام خلوة فاتنة تتبتل في محراب القراءة لجورج أورويل على شاطئ دبي..



هل يمكن أن أسألك سؤالا؟

وهل تراني في مؤتمر صحافي؟



كانت النبرة جافة جدا، قالتها وهي تضم الكتاب وتدخله بتذمر إلى حقيبتها، نظرتْ إلى المغلف، ثم أشارت بحنق إلى النادلة مستعجلة..



وقفت مستعجلا ووضعت بطاقة تعريفية على طاولتها، ثم انثنيت وهي ترمقني بنظرة مليئة بالازدراء، فشاب هندي الملامح بملابس رياضية وحذاء بيتي يدخن بشراهة، ويغلبه الفضول، قطعا أنه قد لا يكون من صنفها المفضل من الرجال.



ألقت نظرة على الورقة الصغيرة المستطيلة لم يكن بها سوى شعار شركة أميركية اتخذت من دبي مقرا لفرعها التقني، ربما طلبا لليد العاملة الرخصية، أو هربا من الضرائب.. وتحت الشعار؛ المهندس الداه إطول عمرو.. مدير الأمن الألكتروني .. ورقم هاتف، وبريد ألكتروني.


***


مرت أربع وعشرون ساعة طويلة.. هز رقم محجوب هاتفي الموضوع على طاولة بمقهى في مرسى دبي.


الداه يتكلم.. قلتها بانجليزية فصيحة، وهي الجملة التي افتتح بها مكالماتي حين لا أعرف المتصل.

كان صوت دافئ يصل كأنه مختلس من الطرف الآخر من العالم: ذا اللي كنت ليه اتسول عنو شنهو؟..
دبي 2013


إبتسامة حامدينو.. (قصة قصيرة)


أحمد ولد إسلم
ahmed3112@hotmail.com

قرأ الملاحظة المكتوبة على لوحة صغيرة أمام شباك البنك بعناية فائقة؛ " يرجى أن تعد نقودك قبل المغادرة" تأكد أن المبلغ سبعة آلاف، تماما كما أجابه المحاسب حين سأله عن رصيده الإجمالي. 
نظر إلى هاتفه كانت الساعة العاشرة وعشر دقائق، 
-
لا بأس ما زال أمامي وقت كاف – قالها في نفسه – فهي لن تأتي إلا متأخرة ساعة بعد موعدها. 
أسئلة كثيرة دارت في خلده وهو يتأكد من إدخال محفظته المهترئة في جيب قميصه ويحكم إغلاق سحاب سترته، لم يكن الطقس باردا لكنه إجراء أمني تعلمه من الحياة في شوارع نواكشوط. 
ازدحم مع خمسة آخرين في سيارة بالكاد توقفت قرب مفترق طرق شرق السوق المركزية، رن الهاتف في جيبة محدثا اهتزازا شعر به الراكب المتكدس على يمينه، وجد صعوبة بالغة في إيجاد ممر ليده إلى جيب سرواله ، لم يتدارك الرنين لكنها كانت هي المتصلة، ضغط الزر الأيسر ليتصل بها فأيقظته الجملة التي طالما سمعها" عفوا.. ليس لديك رصيد كاف لإجراء هذه المكالمة.
* لن يدوم ذلك طويلا – قالها في نفسه 
حين وصل محطته المقصودة في أقصى حي توجنين كان الأخير الذي بقي في السيارة المتهالكة، وبدت علامات الاستياء على وجه السائق واضحة، ولم يكد يتفوه بعبارته: 
*
انعطف يسارا لو سمحت 
حتى انفجر السائق في وجهه: 
*
تقطع كل هذه المسافة بمائة واحدة وتطلب مني الإنعطاف أيضا، ألا تقدر أن المازوت زيد سعره في ما انقضى من هذه السنة فقط خمس مرات، وما زال سعر التوصيلة على حاله. 
حاول إبداء نوع من التعاطف مع السائق المنزعج فقال له: 
*
كلنا نعاني الحال نفسه، لكن لو انعطفت بي يسارا وانتظرتني عشر دقائق سأعود معك إلى ملتقى طرق مدريد، وسأدفع لك حينها أربعمائة.. ما رأيك..؟ 
لم يجب السائق المتذمر لكنه توقف به أمام المغسلة التي يريد. 
*
لباسك غير جاهز، وأرجو أن لا تتذمر فأنت لم تدفع أوقية واحدة منذ شهر.. هكذا بادره الغسال المنشغل بجمع كومة من الملابس المتسخة. 
*
سأدفع لك كل شي، ولكني أحتاج ملابسي الآن، فلدي موعد مهم، لا بد أن أكون في لباس لائق 
غمز الغسال ذو العضلات المفتولة بعينه اليسرى : 
*
إن كان ذلك فليس في لباسك ما يمكن أن ترتدي.. إلق نظرة على تلك الملابس المرصوصة فوق الطاولة فأصحابها غير مستعجلين، يمكن أن تدفع ألفا وخمسمائة عن الدراعة، تحضر فيها " لقاءك المهم" وتعيدها غدا. 
اهتز الهاتف في جيبه، كان الصوت مشوشا .. لكنه فهم منه؛ " ليس لدي رصيد اتصل بي" 
تذكر أن لا رصيد لديه هو الآخر، توجه إلى بائع الرصيد الجالس تحت مظلة أمام الدكان أعطاه ألفا فحول له الفا وخمسمائة من الرصيد. 
عائدا إلى المغسلة، كان السائق المتذمر قد خرج من سيارته صارخا: 
*
إذا لم تكن مستعجلا اعطني نقودي وابق هنا إلى يوم القيامة إن شئت 
*
انتظر دقيقة من فضلك 
*
لا وقت لدي 
تجاهله وتوجه إلى الطاولة، اختار دراعة بيضاء رائعة التطريز ثم التفت إلى الغسال قائلا: 
*
أليس معها سروال؟ 
*
السراويل هناك، ستدفع خمسمائة أخرى 
*
سنتحاسب لاحقا، قالها وهو يقلب السروايل ليتخار ما يناسب الدراعة 
لكن قبضة الغسال القوية على يده كانت كافية لإفهامه.
حسنا على مهلك ، سأعطيك الآن ألفي أوقية مقابل الدراعة والسروال وغدا حين أعيدها إليك سأدفع لك الباقي.
ارتخت قبضة الغسال قليلا لكنه لم يتكلم، أخذ الألفين .. ثم تشاغل بتجميع ملابس متناثرة.
لدى خروجه كان الغسال يقول كلاما غير مسموع فهم منه كلمة الشرطة، فمنبه سيارة الاجرة كان متواصلا.
اهتز الهاتف مرة واحدة، ثم انقطع.. أعاد الاتصال بالرقم، سمع كثيرا من اللوم تدرج إلى عتب، كان منصتا وهادئا، ثم أجاب:
يا عزيزتي الرحلة من الدار البيضاء إلى نواكشوط تستغرق ساعتين ونصف الساعة، ما زال لدي الكثير من الوقت،
لكن لا أريد أن أرى أحدا قبلك في المطار .. قالت الفتاة التي يتعلق بها ولم يسبق أن رأى حتى صورتها.
لن تري أحدا قبلي
وكيف سأميزك؟
سأكون مرتديا دراعة بيضاء وقميصا أزرق، وأحمل لوحة عليها اسمك
إسمي.. هل جننت ؟.. أهلي سيكونون في استقبالي، ولو رأى أحد منهم لوحة بيدك عليها اسمي ستبيت ليلتك في مفوضية الشرطة.
إذا سأحمل صورتي التي أرسلت إليك قبل أيام.. ستعرفينني على أي حال .. فقلب المحب دليله.
كان الهاتف يرن في أذنه منبها إياه على قرب انتهاء الرصيد.. استعجل إنهاء المكالمة قائلا:
المهم سأكون هناك قبل الموعد.. انتبهي لنفسك.. لكن الكلمة الأخيرة لم تصل إليها.
توقفت السيارة للمرة العاشرة ، لكنها الآن عند مفترق طرق مدريد ، سلم السائق خمسمائة ونزل بانتظار مائته المتبقية، لكن السائق المتذمر دائما، أجابتها بعنجهية:
انتظرتك أكثر من عشر دقائق، هذه المائة لي.
لم يجبه لكنه أغلق الباب بعنف، فانطلق صاحب السيارة بما سمحت له الزحمة من سرعة.
حين قطع الجانب الجنوبي من الطريق، تذكر أنه كان يحمل دراعة وسروالا دفع مقابلهما ألفي أوقية لمدة أربع وعشرين ساعة، إلتفت شمالا، لكن السيارة اختفت في الزحمة وجاءت دونها شاحنة كبيرة تحمل أكثر من طاقتها الاستيعابية من أكياس الفحم.
صرخ بأعلى صوته مستوقفا السيارة، لكن نظرات المارة وركاب السيارات ومزامير المستعجلين أربكته، توجه إلى صاحب سيارة مركونة قائلا:
أريدك أن تتبع تلك السيارة، فقد نسيت فيها ما قيمته أكثر من خمسين ألفا.
كم ستدفع لي.. ؟ أجابه السائق ببرود
أدفع لك ما تريد .. المهم أن ألحق بها
لا أضمن لك ذلك.. لكن اركب.. هل تعرف إلى أين تتجه؟
إلى السوق المركزية
السوق .. السوق.. السوق.. كان السائق يصيح باحثا عن ركاب آخرين
ماذا تفعل..؟ أقول لك صاحب السيارة ذهب بــ...
هل ستدفع مقابل الركاب الستة المفترضين
نعم ولكن انطلق بأقصى سرعتك..
كانت الزحمة خانقة، مر نصف ساعة قبل وصولهما تقاطع الحرس، انعطف السائق يمينا متسائلا ببرود:
هل تعرف اسمه.. أو رقم سيارته؟
طبعا لا.. لو كنت أعرف ايا من ذلك لكنت اتصلت بصديقي في الشرطة ولم أدفع لك ستمائة أوقية.
بعد عشر دقائق كانت السيارة تقف عند ملتقى طرق شرق السوق المركزية، نزل منها ملقيا نظرة على وجوه سائقي السيارات المزدحمة، عله يميز السائق المطلوب من بين الوجوه، لكن السائق استحثه ساخرا:
ادفع لي مئاتي الست، ولديك بقية اليوم لتبحث عن إبرة في بحر.
أعطاه ألفا فأعاد إليه الباقي،
وهو يتفحص الوجوه على طول الطريق، وقعت عينه على سيارة تقف أمام أعرشة بها نساء يعملن في تلوين الملابس، كانت إحداهن تعطي ورقة لرجل مستعجل يغلق بإحكام باب سيارته، 
حاول أن يستوقفه بالصراخ ، لكن السائق الذي رآه في مرآته المكسورة، انطلق بسرعة فائقة سالكا طريقا رمليا بين البنايات، حاول أن يعرف رقم السيارة، لكنها لم تكن تحمل لوحة خلفية.
سأل صاحبة المحل إن كانت تعرف الرجل ، وقبل أن تجيب أردف قائلا:
هذه الدراعة وسروالها لي، وقص عليها كل التفاصيل،
لم يبد على وجه السيدة التي تلوك عودا من الأراك أنها فهمت شيئا مما قال، لكنها أجابته أن أسعار التلوين تختلف حسب نوعية الملابس وتدرج ألوانها.
عبثا حاول أن يشرح لها، توجه إلى كومة من الملابس وأخذ منها الدراعة والسروال المطويين بشكل جيد،وقال لها:
هذه لي
أجابت باستغراب: هذه لصاحب السيارة الذي انطلق قبل قليل
هل تعرفين اسمه أو رقم هاتف؟
لا أعرف
متذمرا، أخرح هاتفه من جيبه، حاول الاتصال بصديقه ابراهيم الشرطي، لكن الهاتف كان مغلقا، فشحنته منتهية.
مستغرقا في الورطة التي وقع فيها، قرر العودة إلى توجنين، نظر إلى ساعة الراكب المحشور بين اثنين على يساره، كانت الساعة الثانية وخمس دقائق، خطر له أن يتوقف عند ملتقى مدريد فقريبا منه أقارب له عادة يأتيهم صديقه ابراهيم ومن عندهم يشحن هاتفه، كان العطش يأخذ منه مأخذا، اشترى من البقالة المجاورة عصيرا باردا دفع مقابله مائتين، ومائة دفعها لبائع الرصيد لتحويلها إلى هاتفه.
حين دخل بيت أقاربه ابتسمت والدتهم الخمسينية قائلة:
جاءكم الفرج، ها هو أحمد وصل، أعرف أن جدي أحد الصالحين ولم استغث به في ضائقة إلا فرجت.
متفاجئا من كلامها أجابها قبل أن يسلم :.. خيرا.. ماذا هناك؟!
فاطمة تعاني من آلام حادة في البطن، أعتقد أنها الزائدة، كنا نحتاج من يأخذها إلى المستشفى.
ولكن لا سيارة معي
أعرف ولكن لا بد أن تجد لنا سيارة أنظر حالها..
نظر إلى الشابة المتلوية ألما، تذكر ما كان بينهما من سابق المودة، قبل أن يتزوجها ابن عمها الذي هاجر العام الماضي إلى إسبانيا، وبعث إليها رسالة طلاق وعشرة آلاف بعد ولادة طفلها.
حسنا.. ضعي هاتفي في الشحن حتى أجد سيارة أجرة.
سأحتاج منك ألفي أوقية حتى نهاية الشهر، فليس لدي ما أشتري به الدواء لها.
لم يجبها كان فكره مشغولا بالدراعة والسروال.
واضعا سترته على رأسه لتقيه حر الشمس، حاول شق صفوف الخارجين من المسجد، لكن أحدهم سحب السترة بعنف قائلا:
حتى ولو أخفيت وجهك يمكنني تمييزك من بين ألف رجل.
التفت لمعرفة مصدر الصوت لكن الرجل لم يمهله
ألم تقل لي إنك ستدفع لي اليوم ألفين على الأقل،؟ هل تعتقد أن الأنترنت مجانا؟.. تسهر كل ليلة مع تلك الفاسقة، حتى الفجر ولا تريد أن تدفع.
لو قلت هذه الكلمة مرة أخرى سأحطم وجهك، إنها أشرف وأطهر منك.
لو كانت شريفة ما كانت تسهر معك كل ليلة وهي لا تعرفك
هذا ليس من شأنك
اعطني ما وعدتني به، فلدي فاتورة كهرباء لا بد من سدادها اليوم
خذ هذه الألف والألف الباقية سأعطيها لك لاحقا
مستحيل...تعرف أني أطالبك بأربعة ألاف وصبرت كل هذه المدة
لدي ظرف خاص فاطمة قد تحتاج عملية.. قالها وهو يتملص منه، لكن صوته ما زال يصل إليه وهو يهدده باستدعاء الشرطة
عاد بسيارة أجرة دفع لها أربعمائة اوقية لتوصل فاطمة وأمها إلى المستشفى، وهي تغلق باب السيارة نادت عليه:
وماذا أفعل هناك؟
ليس لدي سواها.. أخرج ألفا من محفظته ولم يبق فيها سوى مائة واحدة
جزاك الله خيرا، قالتها المرأة الخمسينية وهي تحكم قبضتها على الألف، فيما كان رنين الهاتف يستحثه على الدخول.
فتح الهاتف العتيق من دون النظر إلى الرقم لكن صوتا مرعوبا مزج بغضب صاح به قائلا
أين أنت؟
تأكد من الرقم فإذا هو الغسال.. ما ذا تريد؟
اريد الدراعة التي معك حالا، صاحبها واقف فوق رأسي...أحاول الاتصال منذ ساعة.
هاتفي كان مغلقا... ولكن..
من دون لكن .. إذا اكتملت الساعة ولم تكن الدراعة هنا، فلا تلم إلا نفسك.. كان صوت شخص آخر بدا متشنجا قبل أن ينهي المكالمة.
أراد معاودة الاتصال، لكن الجملة المعهودة أصمت أذنه" ليس لديك رصيد...
غير معقول .. حولت قبل قليل مائة أوقية
اتصلت منها ماما قبل قليل.. قالت طفلة تمص إبهامها..
بمن اتصلت..؟
بمحمد في ساحل العاج.. قالت إنها لم تكفها ورمتها هناك.
وضع السترة على رأسه، مشى عشر دقائق، وانتظر عشرا أخرى، ليزدحم مع ثلاثة في مؤخرة سيارة متهالكة إلى توجنين.
كانت سيارة شرطة واقفة أمام المغسلة، ومنها أشارت يد إليه، وقبل أن يتمكن من رفع السترة عن رأسه، انهالت صفعة قوية على خده، وهوت يد قوية أخرى على رأسه، وألقي في مؤخرة السيارة.
****
في المطار ..
كانت فتاة متأنقة تجر خلفها حقيبة جلدية راقية، تغادر شباك ختم الجوازات، غمرتها أحضان والدها الذي كان ينتظرها قرب الشباك، وهو يدخن سيجارا فاخرا، ابتلعتها سيارة رباعية الدفع كانت تقف أمام الباب مباشرة،...
وهي تتفحص وجوه المنتظرين الفرحين والقلقين، ألقت نظرة على صورة في هاتفها الذكي لتتذكر ملامحه لكن زجاج السيارة المظلل حال دون ذلك..
**** 
في قسم الشرطة، كان محقق بدين مكتئب يدخن بشراهة يسأله عن اسمه؟
أجابه وهو يمسح بيده قليلا من الدم عن شفته السفلى ويبتسم:
إسمي حامدينو
ولماذا تبتسم... ؟!

دبي 2012