الأحد، 27 أكتوبر 2013

رقم مخفي.. (قصة قصيرة)

بعينيها الصافيتين، المختبئتن تحت نظارتي قراءة، كانت تجلس في زاوية قصية بأحد المقاهي الراقية في حي " دبي مارينا"، تحرك نسائم الخليج المحاط بغابة من الأبراج طرف ملحفتها لازوردية اللون، وبين يديها كتاب يبدو غلافه أنيقا، وأمامها فنجان قهوة لا يبدو أنها احتست منه أكثر من رشفتين.


وهي منهمكة في مضمون الكتاب الذي تقرأ، ما يوحي أنه رواية جيدة الحبكة، أو كتاب فلسفي عميق، يستهلك كل تركيزها، ويجعلها في عزلة نفسية عن ضوضاء التكنولجيا المحيطة بها، ويلهيها حتى عن الاستمتاع بالنظر إلى الخيوط الرقيقة لأشعة الشمس التي تكافح بصعوبة لاختراق الفراغات الضئيلة بين الأبراج الشاهقة لتطبع قبلة وداع على مياه لم تترك لها اليخوت الفارهة فرصة لرد التحية.



كنت أبث هموما رافقتي من الليلة الماضية، عبر دخان سجارتي المتماوج بكسل، وقعت عيني على تلك الزاوية القصية، انتابني فضول عارم لالقاء التحية.

وتساءلت أيعقل أن تكون موريتانية؟!

إن كانت كذلك فما الذي أتى بها إلى مقهى في أحد أكثر أحياء دبي بروجوازية في هذا الوقت بالذات؟



كانت القهوة والكتاب الأنيق والتركيز المفرط، والتكيف مع الضوضاء الهادئة مؤشرات جعلتني أستبعد كونها موريتانية؟

وكانت الملحفة اللازوردية، وطرفها المنسدل على يسارها، ونقوش خطوط الحناء الدارسة على كفها الأيسر تؤكد أنها قدمت لتوها في رحلة استغرقت اثنتي عشرة ساعة طيران.



قادني الفضول لأكون منها على مسافة لا تزيد على أربعين سنتمترا، وكان عطرها الفرنسي الهادئ، يغالب رائحة الدخان السويدي المنبعث من بين أصابعي.



لم يكن الكتاب الذي جعلها لا تلاحظ قربي اللافت من كرسيها سوى "رواية خيالية" لكاتب انجليزي نشرت في النصف الأول من القرن الماضي تتحدث عن فساد قادة الثورة السوفيتية، الراتعين في الجهل والغباء كحيوانات في مزرعة.



كان عنوان الكتاب كافيا لتبرير انشغالها، فلن تجد اسقاطا لمضمونه أكثر قبولا من الزمان والمكان اللذين تجلس فيهما.



تقدمتُ بلطف وقلت بإنجليزية حاولت جهدي أن لا تحمل لكنة تفضح أصلي، وأنا أضع يدي على الكرسي المقابل لها:



هل تسمحين...؟

تفضل..

لي بالجلوس؟

لا.

وعادت إلى مزرعتها، وعدت إلى حيرتي.



سحبت الكرسي بهدوء مفتعل، وجلست في الطاولة المقابلة لها تماما، طلبت قهوة بحجم فنجانها، أشعلت سجارة أخرى، واسترقت النظر إلى تقاسيم وجه كان من الصنف الذي يوحي إليك أنك تعرف صاحبه من زمن بعيد.



مر نصف ساعة ولم ترفع عينيها عن الكتاب، ولم تحتس من قهوتها الباردة سوى رشفة واحدة، ولم تنتبه لهاتفها الذي تضيء شاشته بين الحين الآخر.



تقدمت إليها نادلة تحمل مغلفا يحوي الفاتورة، وتقدمت مني أخرى فأشرت إلى التي معها، فأتتني، بينما كانت هي تخرج من حقيبة يد جلدية أنيقة بطاقة ائتمان لتدفع..



طلبتُ من النادلة أن تخصم مبلغ فاتورتها ، أرادت أن تستأذنها، فألحمت إليها أن لا داعي لذلك.



وضعت بطاقتها الصادرة عن بنك بريطاني في المغلف وانتظرت عودة النادلة، اثم عادت إلى كتابها الذي لم يبق دون دفته اليمنى سوى صفحات قليلة.



هل يمكن أن أسألك سؤالا؟.. قلت بصوت لا يخلو من خجل.

لا يبدو أنها سمعت ما قلت.. أو أنها فضلت عدم الإجابة.



ارتشفت قليلا من قهوتي الباردة، وسحبت نفسا من سجارتي واستجمعت ما معي من جرأة لاقتحام خلوة فاتنة تتبتل في محراب القراءة لجورج أورويل على شاطئ دبي..



هل يمكن أن أسألك سؤالا؟

وهل تراني في مؤتمر صحافي؟



كانت النبرة جافة جدا، قالتها وهي تضم الكتاب وتدخله بتذمر إلى حقيبتها، نظرتْ إلى المغلف، ثم أشارت بحنق إلى النادلة مستعجلة..



وقفت مستعجلا ووضعت بطاقة تعريفية على طاولتها، ثم انثنيت وهي ترمقني بنظرة مليئة بالازدراء، فشاب هندي الملامح بملابس رياضية وحذاء بيتي يدخن بشراهة، ويغلبه الفضول، قطعا أنه قد لا يكون من صنفها المفضل من الرجال.



ألقت نظرة على الورقة الصغيرة المستطيلة لم يكن بها سوى شعار شركة أميركية اتخذت من دبي مقرا لفرعها التقني، ربما طلبا لليد العاملة الرخصية، أو هربا من الضرائب.. وتحت الشعار؛ المهندس الداه إطول عمرو.. مدير الأمن الألكتروني .. ورقم هاتف، وبريد ألكتروني.



***



مرت أربع وعشرون ساعة طويلة.. هز رقم محجوب هاتفي الموضوع على طاولة بمقهى في مرسى دبي.



الداه يتكلم.. قلتها بانجليزية فصيحة، وهي الجملة التي افتتح بها مكالماتي حين لا أعرف المتصل.



كان صوت دافئ يصل كأنه مختلس من الطرف الآخر من العالم: ذا اللي كنت ليه اتسول عنو شنهو؟..



أحمد ولد إسلم

Ahmed3112@hotmail.com

الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

للمجهولين دورهم..

أحمد ولد إسلم
Ahmed3112@hotmail.com

عام أربعة وتسعين وربما قبل ذلك، -فذاكرتي الزمنية ضعيفة جدا- وفي حي "الصفحة" الشمالي بمدينة النعمة، كنت مراهقا ثقيل اللسان، بي تأتأة لا أكيد أبين كلمتين، - كان شيخي رحمه الله يناديني "بو رْعيْدَة" - وكان شخص لا أذكره يستمع إلى مذياع في بيتنا، وقال لي "أنت بعد ما تقد تعود صحافي" فرددت متشنجا بل سأكون صحافيا.
لا أزعم أني تذكرت تلك الكلمة بتمعن قبل ألفين وأربعة حين وجدتني أقدم بحثا أمام مدرج جامعي بقسم الإعلام في مدينة عنابة الجزائرية، أتحدث فيه ساعتين بطلاقة، وفي زهو إطراء الدكتورة المشرفة التي فاجأها من يتحدث الفصحى، تذكرت كلمة ذلك الشخص المجهول.
وفي 2005 حين نشرت تدويناتي الأولى على مدونة كلمات متناثرة في موقع "مكتوب" كانت فتاة موريتانية تعلق باسم سوسو تمر كل يوم بمدونتي وتعلق تشجيعا، وترسل لي ملاحظاتها على البريد، لم ترد أكثر من تشجيع شاب مبتدئ على إكمال دربه، وظلت كذلك حتى أيقنت أني وجدت موطئ قدم في ساحة النشر الألكتروني من خلال مقالاتي الأولى في موقعي الراية والإصلاح، لكن ملاحظاتها تلك كانت المحفز الأول لي لأواصل الكتابة، بقيت تلك السيدة مجهولة إلى اليوم ، ربما صارت الآن مسؤولة في الدولة، أو ما زالت تبحث عن عمل، فأنا لا أعرف عنها سوى اسم مستعار وأن لها الفضل في أن تتجاوز منشوراتي صفحة مدونة مبعثرة في موقع "مكتوب" المهجور، ولم ألتقها حتى الآن.
وفي عام 2006 تجاسرت ونشرت قصتي القصيرة الأولى، بعنوان "صفر اليدين" على موقع المنبر الموريتاني للإصلاح والديمقراطية، وعلق مجهول قائلا" أخي أحمد أمامك درب طويل قبل أن تصير كاتب قصة، ما كتبته لا يتعدى أن يكون إنشاء لطالب في السنة الخامسة ابتدائية، أنصحك أن تقرأ لعمالقة الأدب الغربي والعربي الحديث قبل أن تبدأ الكتابة.. اقرأ لباولو كويلو، ودان براون وأحلام مستغانمي، ونجيب محفوظ،"
قرأت التعليق وتصادف أني أملك في ذلك الوقت ألف دينار جزائري فقصدت مكتبة وسط المدينة واقتنيت الخميائي و"أولاد حارتنا" و"الحصن الرقمي" و"ذاكرة جسد".. واكتشفت أن كاتب التعليق كان صادقا، وتمنيت لو عرفته كي أشكره.
وخلال الأعوام الماضية امتلأت صفحتي في الفيسبوك عدة مرات بالأسماء المجهولة أو المستعارة، لكنها في أغلبها كانت على النقيض من سابقيها، فنصف تلك الأسماء لفتيات موريتانيات يبحثن عن أمل أو متعة منعها المجتمع أو سوء الطالع، أو من شباب يستهويهم انتحال التاء الساكنة، بحثا عن صيد ذوي النفوس الضعيفة، أو من رجال يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة مقابل استخدام اسمائهم المستعارة للجهوم على خصوم السياسة الذين يعجزونهم على الأرض، فيبحثون عن هزيمتهم في الفضاء.
إلا أن متابعة المجهولين قد تكون مفيدة أحيانا، فاسم مثل X ould Y كاد يثير جنون بعض المسؤولين في جهاز الدولة الموريتانية وأثار الرعب في نفوس آخرين، والفضول عند غيرهم. وكان ظاهرة تستحق الدراسة بغض النظر عن حقيقة ما كان ينشر او أهدافه.
واليوم يطل من صفحة على موقع فيسيبوك مجهول آخر، لكنه جندي هذه المرة، يستحق تكريما بل نصبا تذكاريا عند ملتقى الطرق المقابل لمدخل المطار، إنه إكس ولد إكس إكرك ذلك المنقب في كنوز التراث الموريتاني، الملم بدقائق الحوادث، المستمع الجيد لأحاديث المشارفين على توديع الدنيا، ذو الذائقة الفنية الرائعة التي تنتقى أعذب ما في الأدب الحساني الموريتاني فتنشره، وألطف في طرائف الأدباء فتنثره، يجول بين خزائن الكتب المحمية بجلود الأنعام في ولاتة، وما سار به ركبان إكيدي، ورواه حفظة آدرار، لا يختلف اثنان على حسن ذائقته، ولا يتمارى خصمان في دقة سنده، لكنه مجهول.
ربما تعمد الرجل أو المرأة أو مجموعة الأشخاص أن يبقوا كذلك، فلو كشفوا وجهوهم لن يسلموا من جهوي متعصب، ينفر مما كتبوا قبل قراءته، وعنصري يعاني عقدة الاضطهاد يعاديهم لاختلاف لونهم عن لونه، أو أمي يرى ما يكتبون مضيعة للوقت، أو متزمت يرى في إبداعهم فتنة للخلق عن الخالق.
مجهول آخر في الساحة وفي حياتي أيضا لا يقل دوره عن دور إكس هم شباب بلوار ميديا Bellewar MediaCom الذين يتخفون خلف اسم قرية صغيرة في ولاية لعصابة من المؤكد أن أهلها لم تصلهم الكهرباء بعد، وربما لديهم مدرسة غير مكتملة الصفوف، وهي قطعا بلا مستشفى أو سيارة إسعاف، لكن اسمها سيظل خالدا بوصفها أكثر الأسماء التي ساهمت في إثراء المحتوى السمعي البصري عن موريتانيا في الشبكة العنكبوتية.
فليت كل مجهولي الإسم في الفيسبوك كانوا مثل هؤلاء... ليتهم كانوا كذلك.

الجمعة، 11 أكتوبر 2013

حمار النوبة

أحمد ولد إسلم
Ahmed3112@hotmail.com

"المرأة والطفل و"الدولة" يظنون الرجل على كل شيء قدير"
"إذا أردت تعذيب فقير أدخله السوق عشية العيد"
كلمات تتسرب كثيرا هذه الأيام بين جدوال المياه المحاصرة لبيوت الفقراء والأغنياء ايضا، -فالأمطار كانت عادلة التوزيع-، وبين أقبية الصفيح التي تحيط العاصمة نواكشوط ممثلة دور نساء قريش في الحرب، تمنع الأغنياء من الفرار من وجه البحر الهائج.
لن تكون  تلك الكلمات أكثر شعبية من كلمات أخرى مثل أسعار المستشار البلدي والمشاركة واللوائح وتواصل والتكتل وطبعا فخامة القيادة الوطنية، وبرنامج رئيس الجمهورية والإحصاء ذي الطابع الانتخابي، وقبيلة (...).
لكن كلمة "الحمار" ستعود إلى صدارة التداول ليس في المطار هذه المرة بل في أكثر البيوت الموريتانية.
ولأن المناطق الشرقية في موريتانيا هي الأكثر كثافة انتخابية، والأكثر بلديات وهي الفيصل في نسبة تمويل الأحزاب من السنة المالية المقبلة.
فهي بالتالي الأكثر أطفالا، ومشكلة الأطفال وأمهاتهم أنهم  مثل الحزب الحاكم لا يهمهم إن كان المعني مقتنعا بما يطلبون، المهم أن يقوم به، وبعد العيد بأسابيع يمكن أن يجد فرصة للنقاش، ولكن حينها سيكون الأوان قد فات.
في عصر ما قبل الكهرباء – والذي ما زال يعشيه أكثر من نصف مساحة البلاد- كانت للأطفال وسائلهم الدعائية التي تشوه سمعة زملائهم، وتساهم في تصفية الحسابات السياسية الناجمة عادة عن الصراع على زعامة المجموعة.
كان يكفي أن يردد طفل واحد من المجموعة وهو في طريقه إلى مصلى العيد "فلان أحمار النوبة" حتى يرددها بقية الزملاء، ويجد "الحمار" نفسه محاصرا بأصوات الدعاية المغرضة، وعلى ضوء خبرته في التعامل مع الأوضاع الحرجة يوجد لنفسه مخرجا، فمثلا قد يقول: لدي اتفاق مع أمي أن لا ألبس ملابسي إلا بعد العيد حتى لا تتسخ؛ لأن ظروف العيد غير ملائمة للمشاركة بملابسي، أو يقول هذه الملابس جديدة ويصر على ذلك، مع قناعته أنها قديمة.
لكن الطفل الذكي كان يبادر بالهتاف  ضد شخص غير محدد "أحمار النوبة.. أحمار النوبة" ويرفع صوته فيرتبك أصحابه الغوغاء الذين يصرخون عادة حين يسمعون الزعيم يصرخ من غير أن يعرفوا لمن توجه الإهانه.
وكثيرا ما تفيد هذه الحيلة أبناء الفقراء في درء الفتنة.
وهناك هتاف آخر كاد يتسبب في أيام طفولتي بأزمة نفسية لإحدى السيدات في مدينة النعمة، حين اجتهدت في اختيار أحسن ملاحفها، ومرت بشارع به مدرسة من المشاغبين فأحاط بها الأطفال يصرخون "ماهي جديدة أللا مصقولة".. تصور المشهد..!
تصور أيضا لو هتف الأطفال ضد أحد المرشحين الذين وصلوا إلى مقعد البلدية قبل ولادة آبائهم وما زال هو العمدة مرددين "ماه جديد ولا مصقول"
كانت هناك طرق عدة لدى الأمهات أساسا ولدى الآباء في أحيان أقل، لتضميد جراح الأطفال ضحايا الدعاية المغرضة، وذلك حسب أعمارهم، فمرة يقنعونهم أن الملابس التي يلبسونها جديدة ويكررون عيلهم ذلك، بل قد يتآمرون مع المخلصين من أصدقاء أطفالهم لإبداء الإعجاب بتلك الملابس.
وإذا كان الطفل قد اقترب من سن المراهقة، فعادة ما يتكفل الأب بإقناعه أنه ليس "حمار النوبة"، وذلك عن طريق تفخيمه و"غسل دماغه اليابس" والقول إنه صار رجلا، وملابس العيد خاصة بالأطفال غير الناضجين، ولا يدل الجري وراءها على تحمل المسؤولية، تماما مثل إصرار شاب أن يكون رئيسا للائحة بلدية ريفية ترشحها المعارضة.
الفرصة التي ضعيها رئيس الجمهورية أنه لم يدع إلى تأسيس حزب لـ"حمير النوبة" على غرار أحزاب الشباب والعبيد السابقين وإذاعة القرآن الكريم وتطبيق الشريعة، ومحاربة الإرهاب.
عموما لست متأكدا لحد اللحظة إذا كنت سأنتسب إلى الحزب غير المرخص ، لكني متأكد أن نسبة كبيرة من الموريتانيين أعضاء فخريون في مجلسه التأسيسي، حتى ولو تظاهروا بعكس ذلك، أو غاضبوا وترشحوا في لائحة حزب آخر.

طبعا باستثاء الوزير الذي دفع 34 مليون في الحملة الدعائية للاحصاء ذي الطابع الانتخابي.. والسيد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز.

الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

إسمي المستعار..

أحمد ولد إسلم

درجت العادة أن يكون اللقاء الأول لقاء تعارف، يقدم فيه كل شخص نفسه بالطريقة التي يريد، ويعرض فيه بذاتية مطلقة ما يراه في نفسه، كما نسمع في نشرات مساء اجتماع مجلس الوزارء الجدد الذين يلتحقون بالحكومة بعد التعديل، فيعرف كل واحد نفسه والمهمة الموكلة إليه.
لا أعرف إذا كان ذلك ينطبق على الحكومة نصف الجديدة، فقد قرأت أن وزير النفط والمعادن فيها قال إن الديمقراطية في موريتانيا متقدمة، وكذلك وزيرة الوظيفة العمومية تحدثت عن تقدم الاحصاء ذي الطابع الانتخابي.
وبما أن هذه هي المرة الأولى التي سيجد فيها قراء صحيفة الأخبار أنفو جزء من إحدى الصفحات محتلا من طرفي، فمن حقهم علي أن يعرفوا من أنا.
ولا أخفيكم أني أجد صعوبة في ذلك، فخلال الأعوام التي مرت  بين 1984 وحتى 1991 لا أتذكر بالضبط كيف كان اسمي، عموما درجت العادة أن أنادى باسم "تحليب" مرة "محمود لمولانا" ومرة "الوالد" ومرات كثيرة اسمع اسمي الأكثر تداولا في تلك المرحلة.. وأعتقد أنه لا يهمكم كثيرا.
بداية من 1991 وحتى 1998 كان اسمي أحمد ابن إسلم، وفي إحصاء 1998 تبرع أحد الشباب العدادين بإضافة ياء إلى اسم أبي، وإبدال "ابن" بكلمة ولد" وتسلمت ورقة سجل الازدياد مذيلة بالعبارة التالية" الإسم الرسمي للولد: أحمد ولد إيسلم".
وعشت طويلا بذلك، حتى حصلت على شهادة الباكالوريا فجاء اسمي فيها أحمد بن إسلم، لم يؤثر ذلك كثيرا بل لم أنتبه إليه حتى.
وفي أوكتوبر 2003 تبرع أحد كتبة الأمن الموريتاني بإضافة واو الجماعة وألفها إلى جواز سفري فضلا عن الياء التي سبق أن أضافها عداد الإحصاء فصار اسمي "أحمد ولد إيسلموا" وهو اسمي الرسمي الذي درست به سنواتي الجامعية الأربع، ولصعوبة تقبل الإسم  أمضيت أربع سنوات أنادى باسم "أحمد إسلام" وهو الإسم الذي يعرفه كل زملائي الجزائريين، وخضت معركة لإقناع الجزائريين بكتابة اسمي على الشهادة، كما أنا مقتنع به "أحمد ولد إسلم"
في عام 2007 أردت تصحيح الإسم في جواز سفري ليتطابق مع الاسم الموجود في الشهادة، فكان رد الضابط المسؤول أن أي جواز جديد لا بد فيه من بطاقة التعريف وأن يكون الاسم فيه مطابقا لها، ولأني مضطر للسفر حينها مهاجرا عن هذا البلد، لم أجد مناصا من القبول مكرها، فصار اسمي "أحمد اسلم محمد غلام" موزعة بالترتيب بين اسم الشخص واسم ابيه واسمه العائلي.
خسرت بسبب ذلك التعديل التسجيل في عدد الجامعات التي وافقت مبدئيا على قبولي للماجستير، ولكن الاسم الوارد في الشهادة لا يتطابق مع الاسم الوارد في الجواز، كما خسرت قرعة البطاقة الأميركية الخضراء حيث تقدمت إليها وكان اسمي حينها أحمد ولد إسلم، وحين وقعت علي القرعة في 2007 كان حينها اسمي قد صار أحمد إسلم محمد غلام، ولم أتمكن من شرح ذلك للشابة الأميركية التي كانت تراسلني من وزارة الخارجية.
المهم.. بقيت في الوثائق مكرها أحمد إسلم محمد غلام، إلى غاية فبراير الماضي 2013، حين صادر شرطي في مطار نواكشوط جواز سفري، لأتفاجأ أن إحدى الفتيات المنزعجات في مكتب الإحصاء تصر أن يكون اسمي "محمد غلام أحمد" وبعد كثير من الوساطات من الوزن الثقيل توصلنا إلى صلح أن يكون اسمي "إسلم محمد غلام" في خانة الاسم العائلي و"أحمد" في خانة الإسم.
عدت مسرورا إلى دبي، لأتفاجأ مرة أخرى بمندوبة بنك ترفض أن أسحب شيكا من حسابي الشخصي لأني لا أملك الحق في سحب مبلغ من حساب أحمد إسلم، لأني إسلم محمد غلام أحمد.
خلاصة القول أني الوحيد في العالم المقتنع لحد الساعة، اني أحمد ولد إسلم، ولا شيء يثبت ذلك الآن إلا شهادة حصلت عليها من جامعة عنابة ورفضت القنصيلة الجزائرية في الإمارات تصديقها لأنها تتطلب تصديقا من الخارجية الجزائرية.
.. أرجو أن تكونوا استطعتم في هذه العجالة المختصرة جدا عن كرونولوجيا اسمي معرفة المطل الجديد عليكم من صفحات الأخبار أنفو.

وإن لم تسيطيعوا ذلك فلن تكون المرة الأولى.. فأحمد ولد إسلم هو اسمي المستعار.