أحمد ولد إسلم
Ahmed3112@hotmail.com
عام أربعة وتسعين وربما قبل ذلك، -فذاكرتي الزمنية ضعيفة جدا- وفي حي "الصفحة" الشمالي بمدينة النعمة، كنت مراهقا ثقيل اللسان، بي تأتأة لا أكيد أبين كلمتين، - كان شيخي رحمه الله يناديني "بو رْعيْدَة" - وكان شخص لا أذكره يستمع إلى مذياع في بيتنا، وقال لي "أنت بعد ما تقد تعود صحافي" فرددت متشنجا بل سأكون صحافيا.
لا أزعم أني تذكرت تلك الكلمة بتمعن قبل ألفين وأربعة حين وجدتني أقدم بحثا أمام مدرج جامعي بقسم الإعلام في مدينة عنابة الجزائرية، أتحدث فيه ساعتين بطلاقة، وفي زهو إطراء الدكتورة المشرفة التي فاجأها من يتحدث الفصحى، تذكرت كلمة ذلك الشخص المجهول.
وفي 2005 حين نشرت تدويناتي الأولى على مدونة كلمات متناثرة في موقع "مكتوب" كانت فتاة موريتانية تعلق باسم سوسو تمر كل يوم بمدونتي وتعلق تشجيعا، وترسل لي ملاحظاتها على البريد، لم ترد أكثر من تشجيع شاب مبتدئ على إكمال دربه، وظلت كذلك حتى أيقنت أني وجدت موطئ قدم في ساحة النشر الألكتروني من خلال مقالاتي الأولى في موقعي الراية والإصلاح، لكن ملاحظاتها تلك كانت المحفز الأول لي لأواصل الكتابة، بقيت تلك السيدة مجهولة إلى اليوم ، ربما صارت الآن مسؤولة في الدولة، أو ما زالت تبحث عن عمل، فأنا لا أعرف عنها سوى اسم مستعار وأن لها الفضل في أن تتجاوز منشوراتي صفحة مدونة مبعثرة في موقع "مكتوب" المهجور، ولم ألتقها حتى الآن.
وفي عام 2006 تجاسرت ونشرت قصتي القصيرة الأولى، بعنوان "صفر اليدين" على موقع المنبر الموريتاني للإصلاح والديمقراطية، وعلق مجهول قائلا" أخي أحمد أمامك درب طويل قبل أن تصير كاتب قصة، ما كتبته لا يتعدى أن يكون إنشاء لطالب في السنة الخامسة ابتدائية، أنصحك أن تقرأ لعمالقة الأدب الغربي والعربي الحديث قبل أن تبدأ الكتابة.. اقرأ لباولو كويلو، ودان براون وأحلام مستغانمي، ونجيب محفوظ،"
قرأت التعليق وتصادف أني أملك في ذلك الوقت ألف دينار جزائري فقصدت مكتبة وسط المدينة واقتنيت الخميائي و"أولاد حارتنا" و"الحصن الرقمي" و"ذاكرة جسد".. واكتشفت أن كاتب التعليق كان صادقا، وتمنيت لو عرفته كي أشكره.
وخلال الأعوام الماضية امتلأت صفحتي في الفيسبوك عدة مرات بالأسماء المجهولة أو المستعارة، لكنها في أغلبها كانت على النقيض من سابقيها، فنصف تلك الأسماء لفتيات موريتانيات يبحثن عن أمل أو متعة منعها المجتمع أو سوء الطالع، أو من شباب يستهويهم انتحال التاء الساكنة، بحثا عن صيد ذوي النفوس الضعيفة، أو من رجال يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة مقابل استخدام اسمائهم المستعارة للجهوم على خصوم السياسة الذين يعجزونهم على الأرض، فيبحثون عن هزيمتهم في الفضاء.
إلا أن متابعة المجهولين قد تكون مفيدة أحيانا، فاسم مثل X ould Y كاد يثير جنون بعض المسؤولين في جهاز الدولة الموريتانية وأثار الرعب في نفوس آخرين، والفضول عند غيرهم. وكان ظاهرة تستحق الدراسة بغض النظر عن حقيقة ما كان ينشر او أهدافه.
واليوم يطل من صفحة على موقع فيسيبوك مجهول آخر، لكنه جندي هذه المرة، يستحق تكريما بل نصبا تذكاريا عند ملتقى الطرق المقابل لمدخل المطار، إنه إكس ولد إكس إكرك ذلك المنقب في كنوز التراث الموريتاني، الملم بدقائق الحوادث، المستمع الجيد لأحاديث المشارفين على توديع الدنيا، ذو الذائقة الفنية الرائعة التي تنتقى أعذب ما في الأدب الحساني الموريتاني فتنشره، وألطف في طرائف الأدباء فتنثره، يجول بين خزائن الكتب المحمية بجلود الأنعام في ولاتة، وما سار به ركبان إكيدي، ورواه حفظة آدرار، لا يختلف اثنان على حسن ذائقته، ولا يتمارى خصمان في دقة سنده، لكنه مجهول.
ربما تعمد الرجل أو المرأة أو مجموعة الأشخاص أن يبقوا كذلك، فلو كشفوا وجهوهم لن يسلموا من جهوي متعصب، ينفر مما كتبوا قبل قراءته، وعنصري يعاني عقدة الاضطهاد يعاديهم لاختلاف لونهم عن لونه، أو أمي يرى ما يكتبون مضيعة للوقت، أو متزمت يرى في إبداعهم فتنة للخلق عن الخالق.
مجهول آخر في الساحة وفي حياتي أيضا لا يقل دوره عن دور إكس هم شباب بلوار ميديا Bellewar MediaCom الذين يتخفون خلف اسم قرية صغيرة في ولاية لعصابة من المؤكد أن أهلها لم تصلهم الكهرباء بعد، وربما لديهم مدرسة غير مكتملة الصفوف، وهي قطعا بلا مستشفى أو سيارة إسعاف، لكن اسمها سيظل خالدا بوصفها أكثر الأسماء التي ساهمت في إثراء المحتوى السمعي البصري عن موريتانيا في الشبكة العنكبوتية.
فليت كل مجهولي الإسم في الفيسبوك كانوا مثل هؤلاء... ليتهم كانوا كذلك.
Ahmed3112@hotmail.com
عام أربعة وتسعين وربما قبل ذلك، -فذاكرتي الزمنية ضعيفة جدا- وفي حي "الصفحة" الشمالي بمدينة النعمة، كنت مراهقا ثقيل اللسان، بي تأتأة لا أكيد أبين كلمتين، - كان شيخي رحمه الله يناديني "بو رْعيْدَة" - وكان شخص لا أذكره يستمع إلى مذياع في بيتنا، وقال لي "أنت بعد ما تقد تعود صحافي" فرددت متشنجا بل سأكون صحافيا.
لا أزعم أني تذكرت تلك الكلمة بتمعن قبل ألفين وأربعة حين وجدتني أقدم بحثا أمام مدرج جامعي بقسم الإعلام في مدينة عنابة الجزائرية، أتحدث فيه ساعتين بطلاقة، وفي زهو إطراء الدكتورة المشرفة التي فاجأها من يتحدث الفصحى، تذكرت كلمة ذلك الشخص المجهول.
وفي 2005 حين نشرت تدويناتي الأولى على مدونة كلمات متناثرة في موقع "مكتوب" كانت فتاة موريتانية تعلق باسم سوسو تمر كل يوم بمدونتي وتعلق تشجيعا، وترسل لي ملاحظاتها على البريد، لم ترد أكثر من تشجيع شاب مبتدئ على إكمال دربه، وظلت كذلك حتى أيقنت أني وجدت موطئ قدم في ساحة النشر الألكتروني من خلال مقالاتي الأولى في موقعي الراية والإصلاح، لكن ملاحظاتها تلك كانت المحفز الأول لي لأواصل الكتابة، بقيت تلك السيدة مجهولة إلى اليوم ، ربما صارت الآن مسؤولة في الدولة، أو ما زالت تبحث عن عمل، فأنا لا أعرف عنها سوى اسم مستعار وأن لها الفضل في أن تتجاوز منشوراتي صفحة مدونة مبعثرة في موقع "مكتوب" المهجور، ولم ألتقها حتى الآن.
وفي عام 2006 تجاسرت ونشرت قصتي القصيرة الأولى، بعنوان "صفر اليدين" على موقع المنبر الموريتاني للإصلاح والديمقراطية، وعلق مجهول قائلا" أخي أحمد أمامك درب طويل قبل أن تصير كاتب قصة، ما كتبته لا يتعدى أن يكون إنشاء لطالب في السنة الخامسة ابتدائية، أنصحك أن تقرأ لعمالقة الأدب الغربي والعربي الحديث قبل أن تبدأ الكتابة.. اقرأ لباولو كويلو، ودان براون وأحلام مستغانمي، ونجيب محفوظ،"
قرأت التعليق وتصادف أني أملك في ذلك الوقت ألف دينار جزائري فقصدت مكتبة وسط المدينة واقتنيت الخميائي و"أولاد حارتنا" و"الحصن الرقمي" و"ذاكرة جسد".. واكتشفت أن كاتب التعليق كان صادقا، وتمنيت لو عرفته كي أشكره.
وخلال الأعوام الماضية امتلأت صفحتي في الفيسبوك عدة مرات بالأسماء المجهولة أو المستعارة، لكنها في أغلبها كانت على النقيض من سابقيها، فنصف تلك الأسماء لفتيات موريتانيات يبحثن عن أمل أو متعة منعها المجتمع أو سوء الطالع، أو من شباب يستهويهم انتحال التاء الساكنة، بحثا عن صيد ذوي النفوس الضعيفة، أو من رجال يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة مقابل استخدام اسمائهم المستعارة للجهوم على خصوم السياسة الذين يعجزونهم على الأرض، فيبحثون عن هزيمتهم في الفضاء.
إلا أن متابعة المجهولين قد تكون مفيدة أحيانا، فاسم مثل X ould Y كاد يثير جنون بعض المسؤولين في جهاز الدولة الموريتانية وأثار الرعب في نفوس آخرين، والفضول عند غيرهم. وكان ظاهرة تستحق الدراسة بغض النظر عن حقيقة ما كان ينشر او أهدافه.
واليوم يطل من صفحة على موقع فيسيبوك مجهول آخر، لكنه جندي هذه المرة، يستحق تكريما بل نصبا تذكاريا عند ملتقى الطرق المقابل لمدخل المطار، إنه إكس ولد إكس إكرك ذلك المنقب في كنوز التراث الموريتاني، الملم بدقائق الحوادث، المستمع الجيد لأحاديث المشارفين على توديع الدنيا، ذو الذائقة الفنية الرائعة التي تنتقى أعذب ما في الأدب الحساني الموريتاني فتنشره، وألطف في طرائف الأدباء فتنثره، يجول بين خزائن الكتب المحمية بجلود الأنعام في ولاتة، وما سار به ركبان إكيدي، ورواه حفظة آدرار، لا يختلف اثنان على حسن ذائقته، ولا يتمارى خصمان في دقة سنده، لكنه مجهول.
ربما تعمد الرجل أو المرأة أو مجموعة الأشخاص أن يبقوا كذلك، فلو كشفوا وجهوهم لن يسلموا من جهوي متعصب، ينفر مما كتبوا قبل قراءته، وعنصري يعاني عقدة الاضطهاد يعاديهم لاختلاف لونهم عن لونه، أو أمي يرى ما يكتبون مضيعة للوقت، أو متزمت يرى في إبداعهم فتنة للخلق عن الخالق.
مجهول آخر في الساحة وفي حياتي أيضا لا يقل دوره عن دور إكس هم شباب بلوار ميديا Bellewar MediaCom الذين يتخفون خلف اسم قرية صغيرة في ولاية لعصابة من المؤكد أن أهلها لم تصلهم الكهرباء بعد، وربما لديهم مدرسة غير مكتملة الصفوف، وهي قطعا بلا مستشفى أو سيارة إسعاف، لكن اسمها سيظل خالدا بوصفها أكثر الأسماء التي ساهمت في إثراء المحتوى السمعي البصري عن موريتانيا في الشبكة العنكبوتية.
فليت كل مجهولي الإسم في الفيسبوك كانوا مثل هؤلاء... ليتهم كانوا كذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق