الثلاثاء، 3 مارس 2015

استيراد الخلاف... مرة أخرى

أحمد ولد إسلم Ahmed3112@hotmail.com

الممتبع للصراع بين النخب السياسية الموريتانية على مدى العقود الخمسة الماضية من عمر الدولة الموريتانية يجد أن المحور الأساس فيها يكون في الغالب خلافا إديولوجيا مبنيا على أفكار مسبقة وإسقاطا لنزاعات حدثت بين ربائب تلك الحركات السياسية في بلدان أخرى أقربها تفصله عن موريتانيا آلاف الكيلوميترات.

فالصراع المحتدم فكريا بين التيار الإسلامي والقومي أو الاسلاميين واليساريين أو حتى بين أجنحة القوميين أو الاسلاميين يرتكز أساسا على صراع تلك التيارات في مناطق الشرق العربي أو حتى الشرق الآسويي والغرب الأوربي والأميركي.
وما يذكي جذوة ذلك الصراع هو تبنى كل تيار سياسي لأفكار نظيره في بلد ما والدفاع عنها من دون تنقيح، معتبرا انتقادها أو الاساءة إليها موجهة إليه بوصفه الممثل الشرعي لتلك الأفكار في موريتانيا.

والدليل على ذلك نفور القوميين الموريتانيين من الاسلاميين بسبب مواقفهم من الأزمات في سوريا والعراق ومصر، وإصرار القوميين على محاسبة الإسلاميين على أخطاء ارتكبها التيار الإسلامي في مصر أو تونس أو تركيا، تماما كما يحاسب الإسلاميون القوميين على جرائم ارتكبتها عبد الناصر أو حافظ الأسد أو صدام حسين في بلدانهم بحق الإخوان المسلمين أو السلفيين.

في حين أن التاريخ السياسي الموريتاني لا يذكر فيه موقف لأي تيار سياسي موريتاني تسبب في خلاف عميق أو صراع على قضية محلية.

ولكن هذا الاسقاط للخلافات السياسية يبقى في حدود المعقول لأنه في أقصى درجات تطوره لن يبلغ أكثر من محاولات تصفية الخصوم السياسيين سواء بالمكائد أو بالتجريح اللفظي أو الاشتباكات في قبة البرلمان أو الساحات الطلابية.

إلا أن هذا الاستيراد يكون في حكم الجريمة في حق الوطن والمواطن حين تتبناه الدولة الموريتانية باعتباره أساسا للتعاطي مع قضاياها الداخلية، فربط اي حكومة في دولة ذات سيادة موقفها من قضية ما، بموقف دولة أخرى، إهانة للمواطن الذي أعطاها حق تمثيله، ويضعها في خانة الإمعات الذين لا يستقر لهم قرار ولا يمكن لهم أن يقدوا مسار تنمية دائمة، لأن مواقف تلك الدول قابلة للتعديل ولن تستشير موريتانيا في تعديلها إن قررت ذلك.

وخلال الأعوام التسعة والخمسين التي توالت فيها أنظمة سياسية على مورتيانيا كانت أزمتها السياسية تأتي دائما من ربطها مواقفها من القضايا المحلية بمواقف دول حليفة أو صديقة.

وحده نظام الرئيس المؤسس المختار ولد داداه استطاع أن يدير ظهره للخلافات القائمة بين قطبي العالم حينها، ويخرج بمواقف تثبت فعلا إيمانه بكتلة عدم الانحياز التي كان من أكثر الزعماء نشاطا فيها.

وحين استولى الجيش على السلطة في مورتيانيا كان مبرره أن حرب الصحراء أنهكت الدولة ومنذ ذلك الحين والحالة السياسية في البلد رهن بالصراع الثنائي بين المغرب والجزائر، باستثناء السنوات الأخيرة من نظام ولد الطايع حين اتخذ قرارا بالتطبيع مع إسرائيل تقربا من الولايات المتحدة الأمريكية نكاية في فرنسا بعد فتح ملفات حقوقية له في المحاكم الفرنسية.

ولم يشهد البلد من الاستقرار إلا السنوات القليلة الفاصلة بين الانقلابين على الرئيس السابق معاوية ولد الطايع والرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ الله.

ومع الأيام الأولى لانقلاب الجنرال المقال محمد ولد عبد العزيز عاد الصراع متلبسا في بدايته الرغبة في الوساطة لحل الأزمة السياسية، وتخندقت القوى الفاعلة في المشهد السياسي العالمي بين طرفي الصراع الممثلين في نظام الجنرال المنقلب والجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية.

جنى النظام سريعا ثمار تحالفه مع نظام العقيد معمر القذافي، وأراد رد الجميل له من خلال وقوفه ضد ما كان إرادة شعبية وسببت تلك المواقف إضرارا بمصالح الموريتانيين المقيمين في ليبيا تماما كما أضرت المصالح الموريتانية في الخليج.

استعاض النظام عن دول الخليج والدول الغربية بالتقرب من إيران وما كان يسمى محور الممانعة، واتخذ مواقف حدية بالاندفاع إلى الحضن الفارسي والدفاع عن نظام بشار الأسد، وعمق الشرخ مع دول الخليج العربي.

ولكن حين تبين له أن ذلك الموقف لم يعد الورقة الرابحة غير اتجاهه مائة وثمانين درجة مندفعا إلى حضن الدول الخليجية التي تناصب إيران وما كان يعرف بقوى الممانعة العداء، وليثب إخلاصه في ذلك تبنى رؤيتها الفكرية والسياسية واستورد خلافاتها مع دول وتيارات سياسية في زمان ومكان مختلفين وأسقطهما على المشهد السياسي المتأزم في الداخل.

وهو بذلك يرتكب الخطأ ذاته الذي ارتكبه نظام ولد الطايع حين تقرب من واشنطن عن طريق فتح مقر للسفارة الإسرائيلية في نواكشوط، وتقرب منها بعد ذلك حين ركب موجة الحرب على الإرهاب، وهي الموجة التي ركبها ولد عبد العزيز وأسقطته في أتون الحرب في شمال مالي تقربا من فرنسا.

الخلاصة أن البحث عن المصالح الوطنية وتوطيد العلاقات الديبلوماسية بما يخدم الصالح العام للمواطنين أمر مطلوب لكن الأعراف الدولية والفطرة السياسية السلمية لا تستدعى عداء من يعادي الحليف،  ولو عاد النظام الموريتاني إلى الموروث المحلي لوجد أن أهم قاعدة في العلاقات الدولية مؤصلة في المثل الشعبي " نبغي لبغيك يغير ما نكره لكرهك".

نقلا عن أسبوعية "الأخبار إنفو"

ليست هناك تعليقات: