الجمعة، 24 أكتوبر 2008

إنتظار..مع كأس عصير

أحمد ولد إسلم

وحيدا مع كأس العصير جسلت، نظرت الأفق السحيق ،أبحث عن إشارة تدلني على مسار سالك إليك ، على لغة تكون أكثر قدرة على استيعاب ما أريد قوله لك، أعدت النظر كرتين ، أتأمل أغوار التاريخ الحديث ، أحاول سبر تفاصيله ، تتداخل الأجزاء ، تتشابه المكونات ، أنظر كأس العصير ، أرتشف قليلا ...ثم أتنهد ..
تسّاقط أرواق شجرة الصفصاف التي أجلس تحت ظلها الوارف ، كأوراق ذكريات قديمة لعاشق بائس ، ...ليس في أرضك صفصاف ،لم نلتق يوما تحت صفصافة، لكن كان ظل الشجر يوحي إلي بشيء عنك ، شيء يتعلق بك ، هناك علاقة ما بينك وبين ظل الشجر ، إنه يغادر بسرعة مثلك ، وكثيرا ما لايستمتع به إلا النائي أكثر ...
أحاول تناول القلم، أدير ظهري للإحباط ، أستنشق القليل من الأمل ، أنظر عقارب ساعتي وهي تركض إلى المجهول ، تجر ورائها عنوة عمري، فينقاد لها استسلاما...
ارتشف القليل من العصير، وأنتظر....
للعصير لون وردي كوجنتيك حين يغلب عليك الحياء، كان مزيجا من الموز والتفاح والفرولة ، تداخلت عناصره وانصهرت ، كما تنصهر أرواح العاشقين ...
ألتفت يمنة ، وكأني أحس بك ، أسمع قرع نعلك الواطئ الكعب ، وطرف ثوبك السفلي يقوم بوظيفة البلدية التي استقالت منها منذ زمن ، وكأنني متأكد من أنك ستجلسين قبالتي ، على هذا الكرسي المنسوج بإتقان من سعف النخل، في ساحة الثورة ،... نظرت إليه تخيلتك هنا وأنت ترتشفين كاس عصير ، تتأملين تقاسيم وجه أضناه حبك ، عيناه غائرتان من طول التأمل فيك...
وأنا أحمل في يدي قلم رصاص أحاول أن أرسم على صفحات أملي الضئيل ملامح حلم عشت له ، عشت به ...مستغرقا في تفكيري ، شاردا أتأمل صمتك الناطق ، ينبهني متسول في ساحة الثورة ، أجهده الزمن، يتكلم لغة ليست لغتك ، فأدرك أنك لم تحضري....
انظر ساعتي ، أحسها تزداد تسارعا ، أرتشف القليل من العصير ، وأنظر يسرة...
أراك في كل الوجوه ، في الحمائم التي تحط بين أرجل المارة ، في تداخل ألوان شرائط تزيين الشوارع لاستقبال الرئيس...احسك في كسوف الزهرة وهي تودع الشمس منحنية كبوذية متدينة...
ولكن لماذا أتوقع حضورك؟!! أنت لم تجلسي معي يوما في مقهى، لايوجد هناك ساحة عامة نلتقي فيها ...فلما أنتظر هنا...
يرن الهاتف في جيبي ، توقعت أن تكوني أنت ، فتحت الخط دون أن أعرف هوية المتصل ، صوت امرأة مهذبة : سمير....سمير أنا أنتظرك...
عفوا سيدتي الرقم خاطئ هذا ليس سميرا...
معذرة... أنا آسفة
لا مشكلة ...وتلاشى الصوت...
ما ذا لو كنت أنت ،ما ذا لو كنت على علم أني أنتظرك في أجمل ساحة في عنابة، ما يضيرك لو أرسلت رسالة هافية قصيرة ، من كلمتين فقط ؛أنتظرني هناك...أنا قادمة...
أرتشف من كأس العصير ، أنظر ساعتي ، مرت ساعة وأنا هنا ، مرت ساعة وأنا أنتظرك ، أتساءل أين أنت الآن ؟؟...تراك تقلبين صفحات ذكريات ، ممزق بعضها ، والبعض تلاشت أحرفه لطول العهد ...أم أنك لم تحتفظي يوما بورقة ، أعرفك...كنت تكرهين الذكريات ...تعيشين اليوم في يومه ....
ويسحب النادل الكأس ، يمسح الطاولة بلطف، يقول: هنيئا ، ينظر إلي بشفقة وكأنه يواسيني ، لأن من أنتظرته لم يأت ....
وبقيت وحدي أنتظر أمام كرسيك الشاغر ، كان معي كأسي لكن النادل أخذه
...

ليست هناك تعليقات: