أحمد ولد إسلم
Ahmed3112@hotmail.com
قبل كل حملة انتخابية ينتدب النظام الموريتاني عددا من وزرائه للقيام بجولات في الولايات الداخلية، ولزيارة المناطق الأشد فقرا، والأكثر حرمانا، ويتخذ لذلك ذريعة؛ تارة بتدشين مشاريع وهمية، وتارة بحجة قضاء الأطر عطلاتهم في مواطنهم الأصلية، ولكن الهدف الأكبر والحقيقي من تلك الزيارات هو إطماع المحرومين بنيل حقوقهم التي تقدم لهم قطرات منها قبل الحملة، ويوعدون بالبقية بعد نحاج مرشحي النظام، وتكلف تلك الزيارات خزينة الدولة أضعاف ما تنفقه على تلك المشاريع.
بدأت تلك العادة السيئة أيام ولد الطائع، وما زال النظام القائم – وهو ذاته لم يتغير- ينتهجها، مستغلا جهل عامة الناس بحقوقهم المدنية والسياسية، وحقوق الانسان التي يكفلها القانون الدولي، وينظمها العقد الاجتماعي الموقع بالتراضي بين المواطنين ومن انتدبوا للقيام بالمسؤوليات التي توكل إليهم من خلال الدستور الذي نص على سيادة الشعب.
وسيادة الشعب هذه التي دبج بها الدستور ليست كلمة جوفاء، بل هي حقيقة قائمة، والوعي بها كفيل بإنهاء التلاعب بالحقوق، والمال العام، والمكتسبات الديمقراطية.
فكل من يتقاضى راتبا من خزينة الدولة الموريتانية ليس إلا خادما لدى هذا الشعب يقوم بما كلف به، وللشعب الحق في الاحتجاج على سوء أدائه والمطالبة بمحاسبته، بدء برئيس الجمهورية، وحتى بواب مقاطعة انبيك لحواش في الحوض الشرقي المنسي.
لكن هذا الوعي يحتاج تنمية، تبدأ من المدارس الابتدائية، ولا تتوقف أبدا.
فحين يعلم الطفل في مدرسته، أن أموال الدولة الموريتانية لا تعدو أن تكون حصلت عليها الخزينة العامة، من بيع ثروات طبيعية تكتنزها الأرض برا وبحرا، أو ضرائب تجبى من المواطنين سواء بشكل مباشر من خلال رواتب الموظفين، أو بشكل غير مباشر من خلال الضرائب على السلع والخدمات، أو تكون تلك الأموال حصلت عليها الدولة من خلال قروض وهبات من دول وهيئات أخرى، منحت للشعب الموريتاني، ولم تمنح لمن وقع الاتفاقية، ولا لمن يتولى السلطة.
حين يدرس الطفل ذلك في مدرسته، سيدرك أن له الحق في الاحتجاج على المعلم إذا تأخر عن وقته، وعلى إدارة المدرسة إذا لم توفر له فصلا دراسيا مجهزا، وحمامات صحية، وعلى الشرطي إذا لم يبرز له بطاقته، أو لم يعط أباه وصلا لمخالفة المرور.
وسيدرك أنه ليس ملزما قانونيا بترديد نشيد مرحب بالرئيس حين يزور مدينته، وليس مطالبا بتخليد ذكرى وصول الرئيس بانقلاب عسكري إلى السلطة، ولا أحد يستيطع أن يجبر جاره على حضور لقاء الشعب، بل لا يحق للتلفزة الموريتانية أن تبث اللقاء من دون إذنه.
ومن أراد ديمقراطية حقيقية عليه أن يدرك أنها تبدأ من معرفة الشعب لحقوقه؛ وأولها حق الاحتاج إن لم ينل حقه.
إن ثقافة الاحتاج تبدأ بطفل، وقد ينجح الاحتجاج في استرداد حق فرد، لكنه حين يصير ممارسة يومية لدى العامة ستشب الديمقراطية الحقيقية عن طوق العسكر والقبيلة.
ولا يعني الاحتجاج هنا الخروج في مظاهرات، أو الاعتداء على ممتلكات عامة، بل تصرفات فردية ترفض الظلم.
جربت ذلك عدة مرات ونجح الأمر، كان آخرها حين تسببت سيارة للشرطة بحادث مريع كدت أفقد فيه حياتي.
حدثني الضابط بفرنسية طليقة، فأجبته بلغة انجليزية على كل أسئلته، ابدى امتعاضه من حديثي بالانجليزية قائلا: نحن في موريتانيا ولا نتحدث الانجليزية.
قلت: ما دمنا في موريتانيا وفي إدارة رسمية فيجب أن تتحدث معي بالعربية، وإن لم تكن تحسنها فليتحدث كل منا اللغة التي يريد، ولتبحث عن مترجم، ثم إني لن أوقع على وثيقة رسمية مكتوبة بالفرنسية.. ولم أوقع حتى الآن ذلك المحضر.
تخيلوا لو رفض المعلمون التدريس في فصل بلا طاولات كافية، ورفض الأمين العام الرد على رسالة من الوزير باللغة الفرنسية، ورفض السائق دفع الغرامة من دون وصل، ورفض سكان قرية استقبال وزير في الحملة الانتخابية، ورفض الأطباء العمل في مستشفى بلا معدات طبية، ورفض أستاذ في الجامعة تدريس مادة حتى يطور منهجها، ورفض المواطنون المشاركة في مهرجان للحزب الحاكم، أو استقبال رئيس الجمهورية في زيارته للولايات الداخلية!
أو تخيلوا لو رفضت وزارة المالية دفع رواتب عشرة وزراء تركوا وظائفهم التي أسند الشعب إليهم، وذهبوا لإدارة حملة الحزب الحاكم في الولايات الداخلية..!
هذه الأخيرة لا تتخيلوها أرجوكم..
لأن وزير المالية ذاته يدير الحملة في كيدماغا حسب وكالة الأخبار. إنفو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق