الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

أيها الرئيس.. الحوض الشرقي عارض

أحمد ولد إسلم

Ahmed3112@hotmail.com

حدثني ثقة حضر اجتماعا قبيل انطلاق الشوط الأول لأحد مبعوثي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى مقاطعة النعمة، أن المبعوث أخبرهم أن مضمون رسالة الرئيس إليهم أنه "يقبل أن يخسر جميع الولايات باستثناء أن ينتخب في الحوض الشرقي حزب معارض".

أعرف أن هذه الرسالة قد تكون نوعا من "تكبار الكرش" وكلام الساسة المعسول، ولكن إن وضعت في سياقها السياسي فيمكن النظر إليها باعتبارها توجها للنظام ورثه الرئيس الحالي من سابقيه.

فالحوض الشرقي هو الخزان الانتخابي الدائم للنظام الذي يحكم موريتانيا منذ نهاية السبعينيات، فهناك ولدت فكرة أن "الدولة لا تعارض"، وهناك نُشئت أجيال على أن "المعارضة فضيحة"، وأن "موت القبيلة في العشر المواليات نزاهة"، وهناك استغل دهاة الساسة طيبة البدو وكرمهم ونخوتهم، فكانوا يأتونهم طمعا في تعهدهم بالتصويت، وهم الذين تربوا على أن " اللي انطلب مرقو الزرق"، ثم يحتجون عليهم حين تدلهمّ الأزمة أن " الحر لا يخلف وعده".

لكن شيئا ما تغير هذا العام..

شيء ما غير تلك الأخلاق الفاضلة، والمثل العليا التي يتشبث به البداة، ما زالوا كرماء تنفق يمينهم ما لا تعلم شمالهم، وما زالوا أحرارا لا يخلفون عهدهم، ولكن باتوا يدركون لمن تعطى تلك العهود ومن سيحفظها.

خمسون عاما من التهميش كانت كافية لتهجير جل من استوطنوا تلك الأرض، بحثا عن حياة أرحم، وجاء جيل جديد نقي السريرة طاهر الفطرة، استوطن المدن والقرى، ومن الله عليه أن جاء المدن بعد أن سبقه الإعلام إليها، فما عاد يخفى عليه من أمر النظام شي، وبات يقارن حاله بحال غيره، ويدرك حجم الحيف..

بات يفكر أيها الرئيس..

تغيرت لديه المفاهيم، بما في ذلك مفهوم الفضيحة التي كانت مصطلحا فضفاضا تدخل فيه المعارضة.

أيها الرئيس..

نعم الحوض الشرقي عارضك، عارض برنامجك الذي كان آخر من حدثهم عنه، قبيل انتهاء مهلته، وأخبرتهم بملء فيك أنهم مهمشون وأنه لم يبق من برنامجك إلا القليل، وهم يا رئيس الجمهورية يدركون بفطرتهم البدوية أن" اللي ما ج في أول القصعة ماه جاي فاعقابها".

عارضوا وزيرك الأول والوزراء الخمسة الذين انتدبتهم منهم، ليقولوا لك إن الوزارء " ما يندارو فالصابرة".

الوزير الأول أيها الرئيس لا يشفي المريض، ولا يعلم الجاهل، ولا يعيل أسرة من خمسة أفراد.

الوزير الأول منصب مأمور من فيه بتنفيذ ما تقول، وليس مما تقول ما يفيدهم.

السيد الرئيس..

صحيح أن الحوض الشرقي فشل في انتخاب نائب في البرلمان من المعارضة، لكن النتائج التي ربما أطلعك عليها من تولوا صياغتها تكفي.

فحين لا يكون الفارق في مدينة ولاتة العريقة التي تنتظرك بعد أيام سوى بضعة أصوات بين حزبك وحزب معارض، فهذا يعني أنها أرادت إرسال رسالة واضحة المضمون أن تهميشك لها بلغ ما يخرج الحليم عن حلمه.

وحين يعجز مرشحك لنائب عاصمة الولاية عن الفوز بأكثر من بعض وخمسين في المائة، وهو الذي اعتاد ان ينال المنصب بنسب فوق السبعين، فمعناه أن رسالة أخرى أرسلت.

وحين تقول جيكني كلمتها فصيحة مدوية أن الوزراء من أبنائها لا يثنونها عن معارضتك، فهي تقول لك إنها شقيقة النعمة، تهميشا وإحساسا.

السيد الرئيس..

هل علمت أن بلدية الظهر أكبر البلديات مساحة وأكثرهم مجهولية لدى كل الموريتانيين، وأقلهم حظوة في أي شيء من هذه الدولة قد انتخبت حزبا معارضا؟

هل تعرف ما معنى أن ينتخب معارض في بلدية الظهر؟.. أترك لك التأمل في الخبر.

هناك رسالة أخرى ليست لك أيها الرئيس..

إنها للمعارضة..

أيها القادة المناضلون في صفوف المعارضة المشاركة في الانتخابات.. تصويت الحوض الشرقي لكم ليس ابتغاء مرضاة الله، فمن انتخبوا حزب تواصل في بلدية الظهر النائية لم ينتخبوه لمشروعه الإسلامي، فثلاثة أرباعهم لا يعرفون عنكم سوى أن مرشحكم فلان وأن شعاركم نخلة، ومن انتخبوكم في النعمة ليسوا مقتنعين كلهم بالرؤية السياسية لحزبكم، فنصفهم لا يعرفون عنكم إلا أسماء حسنة الصيت وأن اسمكم " الصلاحيون الوسطيون" لا حظوا حتى اسم حزبكم لا يعرفه كثير منهم.

ومن صوتوا لحزب الوئام الديمقراطي في ولاتة حتى شارف على الفوز، لا يعرفون أي فكرة عن مشروعه المجتعمي ولا خطابه السياسي بل لأنه رشح لهم من يرونه تغييرا لوجوه قديمة ألفوها

يا قادة المعارضة..

إن أهل الحوض الشرقي أردوا أن يعبروا من خلال التصويت لكم عن غضبهم من تهميش النظام لهم، وهم يتوقعون منكم ما توقعته شعوب دول الربيع العربي من حكومات الثورات، والتحدي أمامكم كبير في اتجاهين:

الأول: أن تقدموا لهم في خمس سنوات ما لم يقدم لهم النظام في السنوات الخمسين الماضية.. هذا ما يتوقعونه بالضبط.

والثاني: أن تحافظوا على ثقتهم فيكم، وحين ينتخبونكم في استحقاق انتخابي مكتمل الشروط – إن حدث ذلك يوما – فسيكون ذلك قناعة .. وليس تصويتا انتقاميا.

أعود إليك أيها الرئيس لأسألك سؤالا أخيرا..

هل تعرف ما معنى أن ينتخب الحوض الشرقي معارضين؟

أعرف أنك لن تجيب.. فأنت للأسف لا تقرأ الصحف.



ليست هناك تعليقات: